نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
بين الكفاءة والثقة.. كيف يعيد الدرهم الرقمي رسم خريطة الاقتصاد الإماراتي؟ - المصدر 7, اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 07:01 مساءً
المصدر 7 - في عالمٍ تتسارع فيه التحولات الرقمية لتعيد تشكيل مفهوم المال والاقتصاد، تفتح دولة الإمارات العربية المتحدة فصلًا جديدًا في مسيرة التحول المالي العالمي بإجراء أول معاملة حكومية باستخدام الدرهم الرقمي، في تعاون إستراتيجي جمع بين وزارة المالية ومالية دبي ومصرف الإمارات المركزي.
ولا تُعدّ هذه الخطوة مجرد تجربة ضمن مشروع (الدرهم الرقمي)، الذي أُطلق في إطار برنامج تحول البنية التحتية المالية للدولة، بل تمثل إعلانًا واضحًا لدخول الإمارات مرحلة جديدة من التكامل المالي والرقمي، حيث تلتقي التقنية مع السيادة الاقتصادية في منظومة واحدة.
فالعملية التي جرت بين الحكومة الاتحادية وحكومة دبي عبر منصة (الجسر) التابعة للمصرف المركزي، لم تكن مجرد تحويل مالي؛ بل تجسيدًا عمليًا لرؤية إستراتيجية تهدف إلى بناء اقتصاد رقمي وطني متقدّم، يقوم على الابتكار والثقة والشفافية.
ولكن ما الأهمية التقنية والمالية لهذا الحدث؟ وكيف يمكن أن يُعيد الدرهم الرقمي رسم ملامح منظومة المدفوعات في الإمارات خلال المرحلة المقبلة؟
الدرهم الرقمي.. تتويج لبرنامج تحول البنية التحتية المالية:
يأتي تنفيذ المعاملة ضمن المرحلة التجريبية من مشروع (الدرهم الرقمي)، الذي أطلقه مصرف الإمارات المركزي كجزء من برنامج تحول البنية التحتية المالية للدولة. ويهدف هذا المشروع الطموح إلى تسريع عملية تبنّي الحلول المالية الرقمية في كافة التعاملات الحكومية والخاصة، ليُرسي مكانة الإمارات كمركز عالمي للابتكار المالي.
كما يستند مشروع الدرهم الرقمي إلى رؤية القيادة الرشيدة في دولة الإمارات في بناء اقتصاد رقمي متكامل قائم على ركائز الشفافية المطلقة والثقة المعززة. فالدرهم الرقمي، كالتزام حكومي مباشر، يوفر أقصى درجات اليقين المالي للمتعاملين والمستثمرين، متفوقًا على تقلبات العملات المشفرة الخاصة.
ويُعدّ هذا الإنجاز تتويجًا لجهود وطنية متواصلة لتطوير أنظمة الدفع وتوحيدها ضمن إطار رقمي آمن، يسهم في تعزيز الاستقرار المالي والسيادة النقدية للإمارات بعيدًا عن أنظمة الدفع التقليدية المعتمدة على أطراف ثالثة.
“الجسر”.. المنصة التي اختصرت زمن الدفع إلى دقيقتين:
لقد أُجريت المعاملة المالية باستخدام الدرهم الرقمي عبر منصة (الجسر) للمدفوعات الحكومية، وهي منصة متطورة للعملات الرقمية المتعددة للبنوك المركزية (CBDC)، طورها ونفذها مصرف الإمارات المركزي، لتمكين الجهات الحكومية من إجراء التسويات المالية بطريقة آمنة وفعالة باستخدام العملة الرقمية الوطنية.
وتعمل المنصة كقناة موحدة تسهّل إصدار المدفوعات الحكومية واستلامها وتسويتها بطريقة رقمية آمنة وموثوقة، دون الحاجة إلى وسطاء تقليديين، مما يعني خفض التكاليف التشغيلية وتعزيز الشفافية والكفاءة التشغيلية، وهو ما يمهّد الطريق أمام نموذج حكومي مالي مؤتمت بالكامل.
وقد أكد أحمد علي مفتاح، المدير التنفيذي لقطاع الحسابات المركزية في مالية دبي، أن المعاملة المالية باستخدام الدرهم الرقمي قد تمت في أقل من دقيقتين، مما يعكس الارتقاء الكبير في الكفاءة التشغيلية وتسريع الإجراءات بين الجهات الاتحادية والمحلية.
الأهمية التقنية والإستراتيجية لهذه الخطوة:
لا يتوقف تأثير المعاملة الأولى بالدرهم الرقمي عند حدود التنفيذ التقني، بل يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. فهي لحظة اختبار حقيقية لقدرة الإمارات على تحويل رؤيتها الرقمية إلى واقع مؤسسي ملموس، يجمع بين كفاءة الأداء المالي وثقة البنية التحتية الوطنية.
1. اختبار الجاهزية التشغيلية والتكامل التقني:
يمثل الدرهم الرقمي التزام الإمارات بتبني العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDC)، وهي أداة مالية تُصدرها الدولة وتدعمها مباشرة، وتستند في عملها إلى تقنية السجلات الموزعة (البلوك تشين)، التي توفر أعلى معايير الشفافية والأمان في التعاملات.
كما تمثل هذه منصة (الجسر) العمود الفقري التقني لهذه المعاملة التاريخية، فبفضلها، أُنجزت المعاملة المالية بين الحكومة الاتحادية وحكومة دبي في أقل من دقيقتين فقط، وهو ما يمثل قفزة نوعية حقيقية في كفاءة التسوية المالية.
وبذلك، انتقلت التسويات المالية من جداول زمنية تمتد لأيام إلى معاملات شبه فورية، مما يرفع مستوى الكفاءة التشغيلية ويحدّ من مخاطر التسوية، ليؤسس لمرحلة جديدة من المرونة المالية الحكومية القائمة على السرعة والموثوقية.
2. تعزيز الشفافية والكفاءة التشغيلية:
من المتوقع أن يؤدي استخدام الدرهم الرقمي ومنصة (الجسر) إلى خفض كبير في التكاليف المرتبطة بالمعاملات الحكومية التقليدية والمعقدة.
كما ستعزز طبيعة العملة الرقمية للمصرف المركزي، المبنية على تقنيات رقمية متقدمة، من تتبع الأموال وتضمن دقة أعلى في السجلات المالية الحكومية، مما يدعم الشفافية في إدارة المال العام.
3- توسيع نطاق الاستخدام المستقبلي:
تمثل هذه المعاملة خطوة تجريبية تمهّد لتوسعة نطاق استخدام العملة الرقمية الوطنية في التعاملات الحكومية والخاصة، ويشير ذلك إلى أن الهدف النهائي هو إدماج الدرهم الرقمي في التعاملات اليومية للشركات والأفراد، مما يعزز المدفوعات الرقمية على مستوى الدولة بنحو شامل.
فقد أكد معالي محمد بن هادي الحسيني، وزير دولة الإمارات للشؤون المالية، أن توظيف الدرهم الرقمي في المعاملات الحكومية يمثل نقلة نوعية في استخدام التكنولوجيا المالية. وأوضح معاليه أن هذا التطور يفتح آفاقًا رحبة لتطوير منظومة المدفوعات على الصعيدين الحكومي والخاص.
كما يسهم المشروع في تعزيز ثقة المؤسسات الدولية بالاقتصاد الإماراتي، ويضع الدولة في مقدمة السباق العالمي لتطبيق العملات الرقمية للبنوك المركزية (CBDC)، وهي التقنية التي يُتوقع أن تعيد تشكيل النظام المالي العالمي في السنوات المقبلة.
ما الأثر المتوقع على المنظومة المالية والاقتصادية في الإمارات؟
يُتوقع أن تُحدث خطوة إجراء أول معاملة حكومية بالدرهم الرقمي، آثارًا تحولية على المنظومة المالية والاقتصادية في دولة الإمارات، ويمكن تلخيص الأثر المتوقع في النقاط التالية:
1- تسريع التحول نحو اقتصاد رقمي مؤتمت بالكامل:
يُمّهد الدرهم الرقمي الطريق لانتقال الدولة من مرحلة رقمنة الخدمات إلى أتمتة الاقتصاد نفسه، فبمجرد أن تصبح المعاملات المالية الحكومية رقمية بالكامل، يمكن إدماجها في أنظمة الإنفاق، والمشتريات، والضرائب، والموازنات العامة، ما يؤدي إلى اقتصاد أكثر ذكاءً واستجابة لحظيًا.
2- رفع كفاءة إدارة المال العام وتعزيز الشفافية:
سيؤدي تنفيذ المعاملات المالية الحكومية في دقائق بدلًا من أيام، إلى تحقيق وفورات كبيرة في الوقت والموارد، وسينعكس ذلك في تسريع إجراءات التسوية بين الجهات الحكومية، وخفض التكاليف التشغيلية والإدارية، وتعزيز دقة السجلات المالية بفضل الاعتماد على تقنية البلوك تشين.
بمعنى آخر، سيتحول النظام المالي الحكومي من إدارة مستندات إلى إدارة بيانات، وهو تحول جوهري في بنية الدولة الرقمية.
كما ستصبح كل معاملة مالية قابلة للتدقيق اللحظي دون الحاجة إلى وسطاء، وذلك بفضل خاصية التتبع المدمجة في السجلات الموزعة، وسيرفع ذلك من مستوى الشفافية والمساءلة في إدارة المال العام، ويحد من الأخطاء والازدواجية والممارسات غير الفعالة.
3- دعم الابتكار والاستثمار في قطاع التكنولوجيا المالية:
سيؤدي النجاح في تطبيق الدرهم الرقمي إلى تحفيز الشركات الناشئة والمستثمرين على تطوير حلول مالية جديدة مبنية على العملات الرقمية للبنوك المركزية، مما ينعش بيئة الابتكار ويوفر فرصًا اقتصادية جديدة.
كما سيفتح المجال أمام تطوير خدمات مالية ذكية تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتحليل اللحظي للبيانات المالية الحكومية.
الخلاصة والآفاق المستقبلية:
يعكس إنجاز أول معاملة حكومية بالدرهم الرقمي مستوى التكامل الرفيع بين الأنظمة المالية والبنية المؤسسية والرقمية الناضجة في الإمارات، كما أكد معالي عبدالرحمن صالح آل صالح، المدير العام لمالية دبي.
وتؤكد هذه المبادرة أن الإمارات تسير بخطى واثقة نحو اقتصاد رقمي متكامل، وتواصل ترسيخ ريادتها الإقليمية والعالمية في تبنّي الحلول التقنية الحديثة. كما تفتح العملة الرقمية الوطنية الباب أمام تطوير شامل للمدفوعات الحكومية والخاصة، معززةً الكفاءة التشغيلية والاستدامة المالية على المدى الطويل.
وفي وقت لا تزال فيه قوى اقتصادية عالمية تدرس إطلاق عملاتها الرقمية، تتحول الإمارات من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ الفعلي، مؤكدةً موقعها كمختبر عالمي للحلول المالية المستقبلية.
نسخ الرابط تم نسخ الرابط















0 تعليق