هيئة الإذاعة البريطانية وأزمة تآكل المصداقية - المصدر 7

اخبار جوجل 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هيئة الإذاعة البريطانية وأزمة تآكل المصداقية - المصدر 7, اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 10:20 مساءً

المصدر 7 - تصاعدت في الآونة الأخيرة الانتقادات الموجّهة إلى هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) بعد فضيحة تتعلق بالتلاعب في  مقطع من خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهو الخطأ الذي تحوّل إلى أزمة ثقة داخل الهيئة وأدى في نهاية المطاف إلى استقالة المدير العام Tim Davie ورئيسة الأخبار Deborah Turness تحت ضغوط سياسية وإعلامية غير مسبوقة . وكانت ال  BBC قد بثت تقريرًا في اطار  تغطيتها لإحدى تجمعات ترامب الانتخابية، تضمن مقطعًا تم التلاعب فيه عن طريق حذف بعض الجمل وإعادة ترتيب أخرى، ما غيّر المعنى الأصلي للخطاب وأظهر ترامب بصورة مغايرة تمامًا لما قاله في الواقع. واعتُبر هذا الخطأ تجاوزًا صريحًا لمبادئ المهنية والحياد التي طالما تباهت بها ال BBC ، وأثار موجة غضب واسعة في الأوساط السياسية والإعلامية داخل بريطانيا وخارجها.

و تحت ضغط الرأي العام ووسائل الإعلام، قدّم Tim Davie استقالته، مؤكدًا في بيان رسمي أن الهيئة “بحاجة إلى ضمان التزامها بأعلى معايير الدقة والإنصاف”. وبعد أيام، لحقت به Deborah Turness التي أشارت في خطاب استقالتها إلى أن “الأخطاء الأخيرة كشفت عن ثغرات مؤسسية عميقة تتطلب إصلاحًا شاملاً”. وقد اعتُبرت استقالتهما علامة فارقة في تاريخ BBC الحديث، إذ كشفت الأزمة عن تآكل الثقة في الإعلام العام البريطاني وعن صعوبة الحفاظ على الحياد في ظل الضغوط السياسية المتزايدة.

وامتدت تداعيات القضية لتشمل نقاشًا أوسع حول أداء BBC في تغطية القضايا الدولية الحساسة، وعلى رأسها العدوان  الإسرائيلي على غزة. فقد وُجهت إلى الشبكة اتهامات متكررة بانحيازها لصالح الرواية الإسرائيلية، من خلال انتقاء المصطلحات وطريقة عرض الأخبار وتحديد أولويات التغطية ، حيث لوحظ أن نشرات الأخبار ركزت بشكل أكبر على الخسائر الإسرائيلية والهجمات التي نفذتها الفصائل الفلسطينية، بينما أُغفلت في المقابل تفاصيل واسعة عن حجم الدمار الإنساني في غزة ومعاناة المدنيين تحت القصف المستمر.

واتهم صحفيون داخل ال BBC باستخدام لغة تُخفّف من وطأة الجرائم الإسرائيلية أو تتجنب تحميل الاحتلال مسؤولية مباشرة عن سقوط الضحايا، مثل استخدام تعبيرات من قبيل “قُتل فلسطينيون في غارات” بدلًا من “قصف إسرائيلي أودى بحياة فلسطينيين”. كما أشاروا إلى أن التقارير غالبًا ما تعتمد على بيانات الجيش الإسرائيلي كمصدر أولي، دون تقديم معادل موضوعي من مصادر فلسطينية مستقلة أو منظمات حقوقية، مما يجعل السرد النهائي يميل إلى تثبيت وجهة النظر الإسرائيلية في أذهان المشاهدين.

ولم يقتصر النقد على الصياغة اللغوية، بل شمل أيضًا ما وُصف بـ”عدم التوازن في توزيع المساحة الإعلامية”، حيث خصصت القناة وقتًا أطول لتغطية المخاوف الأمنية في إسرائيل مقارنةً بتغطية أوضاع المدنيين في غزة، وهو ما فُسّر بأنه انحياز ضمني يُفرغ مفهوم الحياد من معناه الحقيقي. وقد عبّر عشرات الصحفيين العاملين في BBC، في رسالة داخلية مسرّبة، عن استيائهم من هذا التوجه، مؤكدين أن الهيئة “فقدت حسها الإنساني عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين”، وأنها “تتجنب أي سرد يمكن أن يُغضب الحكومة الإسرائيلية أو حلفاءها في الغرب” خاصه بعد ان تراجعت عن عرض فيلم وثائقي عن غزه يعرض ابعاد المأساه الانسانيه التي يعاني منها الشعب الفلسطيني

ومع استمرار كشف الانحياز الواضح في التغطية، لا يمكن فهم هذه الأخطاء بمعزل عن البنية التاريخية ال BBC  وعلاقاتها المؤسسية،  فال BBC في حقيقه الأمر لم تكن يومًا هيئة مستقلة أو محايدة بالكامل، فقد أثارت علاقتها التاريخية بوزارة الخارجية البريطانية Foreign Office و بالمخابرات البريطانية MI6 جدلاً واسعًا حول مدى استقلاليتها. فمنذ تأسيسها، لعبت BBC دورًا مركزيًا في نقل وجهة النظر الرسمية للمملكة المتحدة في الخارج، وتلقت في فترات مختلفة تمويلًا خاصاً من الحكومة للقيام بالتغطية الدولية بطريقه محدده ، ما جعل بعض تقاريرها، خاصة المتعلقة بالصراعات والأزمات في الشرق الأوسط وأفريقيا، تخضع بشكل غير مباشر لاهداف السياسة الخارجية البريطانية. كما أشار بعض المحللين إلى أن التعاون الوثيق مع جهاز المخابرات MI6  في فترات معينة، حول مناطق النزاع، قد خلق سياقًا اثر على صياغة الأخبار وتحديد الأولويات، إذ قد تم تقدّيم الأحداث بطريقة تتجنب إثارة غضب الحكومات أو التأثير على العلاقات الدبلوماسية او بهدف اثاره الرأي العام في دوله ما وخلق انطباعات غير دقيقه عن  شخصيات مطلوب التأثير سلباً في مكانتها.

و لقد أظهرت الفضائح الأخيرة،  أن BBC، التي طالما مثّلت نموذجًا للحرفية والحياد الإعلامي، تواجه اليوم أزمة حقيقية في مصداقيتها. فقد كشفت تحريفات الأخبار والانحيازات في تغطية قضايا مثل خطاب ترامب، العدوان الاسرائيلي والازمه الانسانيه للفلسطينيين ، فضلا عن تغطيتها لما يصفونه بالربيع العربي أن الضغوط السياسية والتأثير المباشر وغير المباشر للجهات الخارجية – من الخارجيه البريطانية إلى جهاز المخابرات البريطاني  – يمكن أن تحدد في كثير من الأحيان مضمون التغطية وأولوياتها. هذه التأثيرات أسهمت في تآكل استقلالية ال BBC  ووضعت الثقة فيها  أمام اختبار صعب، مما قد يجعل استعادة مكانتها كمنبر إعلامي محترف وموضوعي تحديًا كبيرًا يتطلب إصلاحات عميقة وجذرية.

 

السفير عمرو حلمي 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق