المصدر 7 - بعد ما يقارب عقدين من التخطيط والبناء والتطوير، افتُتحت محطة غار دي مونس (Gare de Mons) في بلجيكا أخيراً بحلة جديدة تُعدّ من بين الأجمل في العالم. فقد تحوّلت هذه المحطة من مبنى تقليدي إلى صرح معماري فريد يربط بين الماضي والمستقبل، ويجسّد رؤية طموحة في قلب مدينة مونس الواقعة في جنوب البلاد.
لم يكن الهدف من إعادة تصميمها مجرد تحسين البنية التحتية للنقل، بل خلق مساحة حضرية نابضة تمتد لتصل بين أحياء المدينة القديمة والجديدة، وتفتح آفاقًا تنموية وثقافية أكبر.

مشروع استغرق نحو 20 عامًا

بدأت القصة عام 2004 حين طُرحت خطط تحديث محطة مونس، ليُعلن لاحقًا عن مسابقة لاختيار التصميم المعماري المناسب. فازت شركة المهندس العالمي سانتياغو كالاترافا بالعقد في عام 2006، وهو اسم ارتبط بعدد من المشاريع المميزة حول العالم مثل محطة قطار نيويورك “Oculus” وجسر مدينة ريون-أنتيريون في اليونان. ومع ذلك، لم يكن طريق تنفيذ المشروع سلسًا؛ فقد واجهت المحطة الجديدة تأخيرات متكررة وتجاوزات في الميزانية وصعوبات تقنية ولوجستية، ما أدى إلى امتداد عملية البناء لما يقرب من 20 عامًا.

وفي أكتوبر الماضي، كُشف أخيرًا عن المحطة في شكلها النهائي بتكلفة بلغت نحو 323 مليون يورو، لتتحول إلى صرح هندسي يجمع بين الفن والابتكار، ويُعيد رسم ملامح مركز المدينة.

تصميم مستقبلي يعبر بين عالمين

تتميز محطة غار دي مونس بتصميم أشبه بـ“جسر” يصل بين شطري المدينة؛ الشمال السكني والجنوب التاريخي. ويتيح ممرها المركزي للمسافرين التنقل من جانب إلى آخر بسهولة، بينما تمتد منصات القطارات على الجانبين في مشهد ينمّ عن تخطيط مدروس وانسياب بصري رائع.

تتكون المحطة من أعمدة بيضاء مائلة، وعناصر خشبية دافئة، وهيكل فولاذي أنيق يمنحها طابعًا مستقبليًا مميزًا. أما الواجهات الداخلية فتتدرج بين ما يشبه “أحفورة ديناصور” وما يذكّر بهيكل سفينة فضائية من أفلام الخيال العلمي، ما يخلق تجربة بصرية فريدة لمرتاديها.

لا يعمل التصميم على تحسين تجربة السفر فحسب، بل خلق مساحة عامة تتواصل مع المحيط الحضري، إذ ساهم المشروع في إطلاق عملية تحول عمراني واسعة في المناطق المجاورة، مع تطوير خدمات وأبنية تعزز من حيوية المدينة.

واحدة من أجمل المحطات في العالم

لم تمر هذه التحفة الهندسية مرور الكرام؛ فقد نالت المحطة تكريمًا عالميًا بعدما صنّفتها جوائز بريكس فيرساي (Prix Versailles) المرموقة ضمن قائمة أجمل محطات القطار في العالم. وأشاد الحكّام بـ“أسلوبها الجوي، والخطوط النظيفة، والأشكال الفولاذية البيضاء المبهرة” التي ترتفع في السماء، إضافة إلى الجسر المركزي “الشبيه بالكاتدرائية” الذي يضفي لمسة شعرية على المكان.

ولا تتوقف أهمية المحطة عند حدود جمالها المعماري، بل تتجاوزها لتشمل دورها الوظيفي في تحسين تجربة السفر بالقطار، وتعزيز الدور الحيوي لمونس كمدينة تربط بين أقاليم بلجيكا وأوروبا، وتشجع حركة السياحة والثقافة والاقتصاد.

في الختام، تقدم محطة غار دي مونس نموذجًا ملهمًا لما يمكن أن تكون عليه محطات القطار حين تتلاقى فيها الهندسة المبتكرة والوظيفة العملية والرؤية الثقافية. فالمحطة ليست مجرد نقطة عبور، بل مساحة حضرية نابضة بالحياة، تعكس روح مدينة تعرف كيف تحتفل بالماضي وتتطلع إلى المستقبل. إنها دعوة إلى السفر، والاكتشاف، والتأمل في جمال العمارة المعاصرة حين تصبح جزءًا حيًا من قلب المدينة.