عندما تحكم إسرائيل نفسها - المصدر 7

منوعات 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عندما تحكم إسرائيل نفسها - المصدر 7, اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 03:17 مساءً

المصدر 7 - جو 24 :

بين رفح وتل أبيب خيط واحد يجمع بين الحرب والسياسة، بين لجنة تفتّش في الخراب عن مسؤول، وحكومة تبحث في الأنفاق عن مخرج. لم تعد إسرائيل بعد السابع من تشرين الأول كما كانت؛ دولة ترفع شعار الردع المطلق، لكنها اليوم تحاكم نفسها وتفاوض على بقايا معركتها تحت وصاية البيت الأبيض.

تقرير لجنة تروجمان الذي كشفت عنه يديعوت أحرونوت، وما نشرته إسرائيل اليوم عن لقاء نتنياهو وكوشنر، يفتحان الباب أمام قراءة واحدة: انهيار المؤسسة العسكرية من الداخل وتحوّل القرار السياسي إلى رهينة للخارج الأميركي.

منذ عام 2018 كانت التحذيرات تتكدّس في أدراج المخابرات الإسرائيلية. تحركات على الحدود، نشاطات غير اعتيادية، رسائل ميدانية واضحة، لكن أحدًا لم يقرأها بجدية. لجنة تروجمان، التي ضمّت أربعة عشر ضابطًا رفيعًا، أكدت أن ما جرى في السابع من تشرين لم يكن مفاجأة بل نتيجة عمى مؤسسي تراكم على مدى سنوات.

اللجنة صنّفت تحقيقات الجيش إلى ألوان: خمسة حمراء فاشلة، عشرة برتقالية ناقصة، وعشرة خضراء مقبولة. الأحمر يشير إلى الكارثة الكبرى، وفي مقدمتها إخفاق الاستخبارات، بينما البرتقالي يرمز إلى الغموض والتقصير، والأخضر إلى ما تبقّى من مبرّرات شكلية. ما تكشفه الوثائق أن الجيش الإسرائيلي تحوّل من ذراع ردع إلى مؤسسة بيروقراطية ثقيلة تُدير نفسها بالشعارات. لم يعد الجنرال في الميدان، بل في الشاشة، ولم تعد الجاهزية فعلًا بل عرضًا إعلاميًا.

ليلة السابع من تشرين، التي سمّاها الإسرائيليون "ليلة الصمم والعمى”، كانت لحظة سقوط منظومة الردع من الداخل. الأنظمة الإلكترونية عملت والمراقبات نقلن الصور بدقة، لكن القيادة لم تستقبل. سلاح الجو أُبلغ متأخرًا، والبحرية لم ترَ القوارب التي حملت المقاتلين، والقيادة الجنوبية تجاهلت خطة الطوارئ "حائط أريحا”. حتى القبة الحديدية صمتت لأن الخطر لم يُدرج في تصنيف الطوارئ بعد.

التقرير حدد ستة وجوه للفشل: خطأ في الرؤية الاستراتيجية، قصور استخباراتي في التحذير، إهمال الخطط الميدانية، ثقافة تنظيمية مريضة، فجوة بين حجم التهديد ومستوى الجاهزية، وانهيار في عملية اتخاذ القرار. هو اعتراف بأن حماس كانت تنتقل من الروتين إلى الطوارئ بينما الجيش الإسرائيلي بقي غارقًا في روتينه. الهزيمة لم تقع في الميدان فقط، بل في الوعي ذاته.

ورغم حجم الكارثة، لم تُسند أي مسؤولية شخصية لأحد. اللجنة اكتفت بالدعوة إلى "إصلاح داخلي” وتغيير العقيدة العسكرية لتستوعب احتمال الحرب المفاجئة. رئيس الأركان أيال زمير قال إن "ما جرى فشل هائل يجب النظر إليه بعين مفتوحة لا دفنه بالصمت”، لكنه أبقى الباب مغلقًا أمام المحاسبة. هكذا تحوّل التحقيق إلى أداة تلميع، لا إلى محكمة ضمير.

في الوقت ذاته كان نتنياهو يجلس مع جاريد كوشنر في لقاء مغلق يناقش ما سُمّي "المرحلة الثانية في غزة”. كوشنر حمل من واشنطن رسالة واضحة: لا عمليات حادة في رفح دون تنسيق أميركي مسبق. تحوّلت الولايات المتحدة من حليف إلى شريك مباشر في القرار الميداني. النقاش بينهما دار حول المقاتلين المحاصرين في أنفاق رفح، حيث اقترح الأميركيون، بوساطة قطرية، السماح بخروجهم دون سلاح مقابل وقف إطلاق النار. نتنياهو رفض، متمسكًا بشرط تسليم السلاح أولًا، بينما امتد النقاش إلى مستقبل القطاع وقوات المراقبة الدولية.

إسرائيل رفضت مشاركة تركيا، والأميركيون وافقوا. الإمارات أعلنت على لسان أنور قرقاش أنها لن تشارك في قوة بلا رؤية واضحة. في الخلفية، واشنطن تكتب النص وتوزّع الأدوار، وتتحول رفح إلى معبر سياسي أكثر منها ميدان حرب.

هكذا تتقاطع الصورتان: لجنة في تل أبيب تُحصي أخطاء الجيش، واجتماع في القدس يفاوض على شروط الخروج من الحرب. بينهما خط واحد يربط الفشل بالارتهان، والسلاح بالسياسة. إسرائيل التي كانت ترفض أي تدخل خارجي، تنتظر اليوم الضوء الأخضر من واشنطن قبل أن تضغط على الزناد.

الحرب التي بدأت بالقوة تنتهي اليوم بالوصاية. الهدنة التي سُمّيت "استراحة المحارب” تحولت إلى إعادة توزيع لموازين المنطقة. الولايات المتحدة تمسك بالمشهد كاملاً، وتفرض على إسرائيل عقيدة جديدة: لا قرار عسكري دون غطاء سياسي أميركي.

تقرير تروجمان واتفاق رفح ليسا حدثين منفصلين، بل مساران متوازيان في سقوط واحد. الأول يكشف جيشًا فقد ذاكرته، والثاني يفضح حكومةً تسلّم مفاتيح القرار لمن أنقذها من الانهيار. إسرائيل التي بنت وجودها على الهجوم الاستباقي باتت اليوم أسيرة لعقيدة الخوف؛ الخوف من المحاسبة، من الانقسام، ومن فقدان الرعاية الأميركية.

الجيش أصبح مرآة الدولة. الجندي يدافع عن مؤسسته لا عن حدوده، والسياسي يفاوض لينجو لا ليحسم. ما بين الحرب والتحقيق، بين رفح وتل أبيب، يتكوّن المشهد الإسرائيلي الجديد: دولة تراجع نفسها تحت رقابة الحليف، وتكتب تقرير فشلها بالحبر الأميركي.

ما يُروى في الوثائق العبرية ليس مجرد كشف عن أخطاء تكتيكية، بل إعلان مرحلة جديدة في تاريخ الكيان: مرحلة الاختناق الذاتي، حين تُهزم القوة بذاتها قبل أن تُهزم بعدوها. ومن هنا يبدأ التحوّل الأعمق - من دولةٍ تخاف على أمنها إلى دولةٍ تخاف من حقيقتها.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : عندما تحكم إسرائيل نفسها - المصدر 7, اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 03:17 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق