كتب وسام السعيد-  بدلاً من قارئة الفنجان، اصبح لدينا "خبير اقتصادي” يحدّق في رسمٍ بياني ويقول لك بثقة: 

 "الوضع متقلب… لكننا متفائلون بحذر.”

 جملة تصلح لكل زمان ومكان، ولكل برنامج من نشرات التاسعة حتى فطور الجمعة  في زمنٍ باتت فيه الشاشات تفيض بالمحللين والخبراء، أصبح من الصعب التمييز بين من يفهم فعلاً في الاقتصاد، وبين من يجيد فقط لغة "التحليل المنمّق” والحديث الطويل بلا فائدة. 

 فما إن تتقلب أسعار النفط، أو ترتفع الفائدة، أو تهتز الأسواق، حتى يظهر علينا فوجٌ من "الخبراء” يتحدثون بثقةٍ مذهلة عن الأسباب والنتائج وكأنهم شهودٌ على نيات البنك المركزي نفسه! 

بعضهم يطلّ علينا وكأنه خرج لتوه من اجتماع سري مع صندوق النقد الدولي، وآخر يتكلم وكأن الدولار ينام على وسادته.  الحقيقة أن كثيراً من هؤلاء لا يملكون سوى قراءة مانشيت إخباري، ثم يعيدون صياغته بلغةٍ توحي بالدهاء: 

 "الاقتصاد العالمي يمر بمرحلة إعادة تموضع ديناميكي”، عبارة لا تعني شيئاً في الواقع، لكنها تُقال بثقة كافية لإقناع المشاهد المسكين بأن هذا الرجل يعرف ما لا يُقال!  

وهناك صنف آخر من "الخبراء” الذين يتنبأون بكل الاتجاهات في وقتٍ واحد: 

إذا تحسّن الاقتصاد قالوا: لقد توقعنا التعافي. 

وإذا تدهور قالوا: لقد حذرنا مسبقاً من هذه الفقاعة. هم دائماً على صواب، لأنهم يتحدثون في كل الاحتمالات، مثل منجّمي الأبراج الذين لا يخطئون أبداً… لأنهم لا يقولون شيئاً محدداً أصلاً. 

 أما الطامة الكبرى، فهي أولئك الذين يتحدثون بالساعات دون أن تفهم إن كانوا متفائلين أم متشائمين! يسمون ذلك "تحليلاً متوازناً”، بينما هو في الحقيقة غموض متقن يخفي وراءه فراغاً معرفياً كبيراً.  

إن الاقتصاد علم دقيق، يعتمد على بيانات وتحليل واتجاهات موثقة، لا على التنجيم الإعلامي ولا على "الكاريزما التلفزيونية”.

 والمجتمعات التي تبني قراراتها الاقتصادية على آراء هؤلاء "النجوم” لا تختلف كثيراً عن من يسير في الضباب ويظن أنه يرى الطريق  في كل أزمة اقتصادية يظهر "خبير” جديد… 

يتحدث بثقة وكأنه أمين صندوق النقد الدولي، يُحلّل الأقتصاد كمن يقرأ الطالع، ويتنبأ بالمستقبل كما تفعل قارئة الفنجان…

 لكن بلغة الأرقام!  

من شاشات الأخبار إلى مقاطع اليوتيوب، الكل صار يفهم بالاقتصاد، لكن قلّ من يفهم الاقتصاد فعلاً.