أوروبا تبحث عن هنري كيسنجر ودورٍ مفقود على رقعة الشطرنج الجيوسياسية - المصدر 7

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أوروبا تبحث عن هنري كيسنجر ودورٍ مفقود على رقعة الشطرنج الجيوسياسية - المصدر 7, اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 06:20 صباحاً

المصدر 7 - قمة تلو أخرى، واجتماعات متواصلة تدور حول القارة الأوروبية. وكلّ محطة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض تترافق مع مواكبة من زعماء الاتحاد الأوروبي، إما بحضور مباشر أو عبر الأثير والاتصالات المفتوحة.
كلّ ذلك لأن أوروبا باتت تشعر بأن أمنها مهدَّد، وأن الخطر تجاوز الحدود الأوكرانية، ولا سيما مع المسيّرات التي اخترقت أجواء عدد من الدول. ولهذا الغرض جاءت قمة كوبنهاغن مطلع الشهر الفائت، واقتراح إنشاء "جدار مضاد للمسيّرات" على مستوى الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا السياق، تقول الباحثة في العلاقات الدولية والأوروبية منى ذوايبية إن القمم الأوروبية تسعى إلى "تكثيف الوعي العام بالأزمة أكثر منها إلى إيجاد حلول لها".
وتضيف الباحثة في الشؤون الأوروبية أن "القارة تتحدث بلغة الوحدة، لكنها تتفاوض بمنطق المصالح المتباعدة في عالم يتجه نحو التعددية القطبية. أوروبا تجادل حول من يملك المقود بدل أن تحدد الاتجاه".
وترى ذوايبية، في حديثها لـ"النهار"، أن إعادة الدور الأوروبي لا تحتاج إلى قمم جديدة، بل إلى رؤية مشتركة لماهية "القوة الأوروبية" في القرن الحادي والعشرين. وتتساءل: هل هي قوة اقتصادية منفتحة، أم قطب سياسي مستقل، أم مجرد جناح مدني داخل المظلة الأطلسية؟
وتجيب بأن "القمم حتى الآن باهتة الوجه، تلتئم على أمل تضييق الخلافات والانقسامات، أكثر من أن يكون الهدف تصويب المسار".
القلق الأوروبي المتزايد يترافق مع مؤشرات تزيد من حدّته، إذ توجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى جيرانه في أوروبا عقب قمة كوبنهاغن قائلاً: "نراقب عن كثب تنامي عسكرة أوروبا... الإجراءات الانتقامية الروسية لن تتأخر، وسيكون الرد على هذا النوع من التهديدات قوياً جداً".
واتّهم بوتين الأوروبيين بإثارة حالة من "الهستيريا لتبرير زيادة الإنفاق الدفاعي"، طالباً منهم أن "يهدأوا"، لأن بلاده لا تشكّل أي تهديد لهم.
لكن هذا "الهدوء" لا يمكن أن يستقيم أوروبياً في ظل سياسات الشريك الأطلسي في البيت الأبيض، الذي يسعى لعقد الصفقات والاتفاقيات التجارية والأمنية والعسكرية مع دول العالم، فيما بروكسل لا تزال تنتظر اتفاق الاتحاد على خطة واضحة لمواجهة تحديات المستقبل.
وكانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أبلغت الحلفاء الأوروبيين بضرورة تحمّل مزيد من المسؤولية عن أمنهم، مع تركيز الولايات المتحدة بشكل أكبر على حدودها ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وذلك على الرغم من استجابتهم لطلب واشنطن ورفع إنفاقهم العسكري إلى 5 في المئة في سياق مهام حلف شمال الأطلسي (الناتو).

"أنظروا ماذا جعلتمونا نفعل"
قبل أيام، أعلن وزير الدفاع الروماني يونوت موستيانو أن الولايات المتحدة تعتزم خفض قوام قواتها في الجناح الشرقي لأوروبا، بما في ذلك الجنود الذين كانوا يتمركزون في إحدى القواعد الجوية.
وبحسب وزارة الدفاع الرومانية، كان القرار متوقعاً نظراً إلى التغيرات في أولويات واشنطن، على أن يظل نحو ألف جندي أميركي متمركزين في رومانيا. وأضافت أن ما بين 1000 و1200 جندي أميركي جرى سحبهم قبل شهر، ولن يُرسل آخرون ليحلّوا محلهم.
وسارع الجيش الأميركي إلى تبديد هواجس الشركاء، ولا سيما أولئك على الجبهة الشرقية مع روسيا، مؤكداً أن خطوته في رومانيا "لا تُعد انسحاباً أميركياً من أوروبا أو إشارة إلى تراجع الالتزام تجاه الناتو".

 

أفراد من سلاح الهندسة في الجيش الفرنسي يشاركون في مناورات عسكرية بميدان الرماية في بوغوتا. (أ ف ب)

 

وفي هذا السياق، تقول الباحثة ذوايبية، المقيمة في باريس، إن "أوروبا أمام اختبار نضجٍ استراتيجي حقيقي، لا أمام مجرد فراغ جغرافي يمكن ملؤه بسهولة".
وتضيف أن الانسحاب الأميركي – إن ثبتت ملامحه – لا يُقاس بعدد الجنود أو القواعد، "بل بمدى استعداد العواصم الأوروبية لتحويل خطاب الاستقلال الدفاعي إلى بنية صناعية وأمنية فعلية".
وتتابع: "أوروبا لم تعد تمتلك القدرات التقنية والاقتصادية، وتفتقر إلى الإرادة السياسية المشتركة والقرار الموحّد، في لحظة تتسابق فيها واشنطن وبكين وموسكو على إعادة رسم قواعد النظام العالمي".
وتستطرد مؤكدة أن الفراغ الأميركي في أوروبا – إن حدث – "لن يُملأ بالدبابات، بل بالثقة الشعبية في الأنظمة السياسية الحاكمة من جهة، وبالخلافات بين الأوروبيين في التعاطي مع هذه المسائل من جهة أخرى".
وفي تقرير نشره موقع "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" في 30 تشرين الأول/ أكتوبر، تحت عنوان "أنظروا ماذا جعلتمونا نفعل"، أشار إلى أن التراجع الأميركي التدريجي عن الأمن الأوروبي في ظل إدارة ترامب يُعيد تشكيل مركز ثقل حلف "الناتو".
وجاء في التقرير أن "الحفاظ على مصداقية التحالف ووحدته لا يتطلب من الأوروبيين فقط زيادة الإنفاق، بل تعلم القيادة أيضاً".
وأوضح أنه بحلول عام 2029 سيُراجع حلفاء "الناتو" التقدم الذي أُحرز في زيادة الإنفاق الدفاعي، لكن "أجهزة الاستخبارات الأوروبية تُحذّر من أنه بحلول ذلك الوقت قد تكون روسيا في وضع يسمح لها بشنّ هجوم آخر على أوروبا".
ومن جملة التوصيات التي وردت في التقرير ذاته: "يجب على الأوروبيين استغلال هذا الوقت لجعل حلف الناتو، بهياكله وقواته، أوروبياً في معظمه"، لأن الأوروبيين لا يستطيعون تحمّل اعتماد دفاعهم على أميركا بعد الآن.

 

كيسنجر والمأساة الأوروبية
مسألة تحميل الدول الأوروبية مزيداً من المسؤوليات الدفاعية، مع تحوّل واشنطن الاستراتيجي نحو آسيا لمواجهة صعود الصين، ليست جديدة، بل تسبق الحرب الروسية–الأوكرانية بسنوات، تحديداً منذ إطلاق الصين مبادرتها الاقتصادية العملاقة "الحزام والطريق" عام 2013.
وبالتالي، فإن الموقف الأوروبي الذي ورد في تقرير "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" ليس استثناءً، إذ إن العديد من الباحثين الاستراتيجيين، مثل جيريمي غالون، المدير الإداري الأول والشريك في "ماكلارتي أسوشييتس" في بروكسل، ينظّرون لاستقلال أوروبا دفاعياً وعسكرياً، ويحثّونها على استعادة دورها التاريخي.
وتعليقاً على الفكرة، تقول ذوايبية إن "وجه أوروبا تغيّر أسرع من قادتها، والنخبة السياسية اليوم تُنتَج داخل غرف الأحزاب لا في مدارس التاريخ".
في كتابه هنري كيسنجر، يتناول غالون سيرة الديبلوماسي والمفكر السياسي الأميركي من منظور "السياسة الواقعية " (Realpolitik)، ويركّز على كيف شكّلت رؤيته وخبراته أدوات لفهم السياسة الخارجية في القرن الحادي والعشرين، خصوصاً بالنسبة إلى أوروبا.
ويخلص في نهاية كتابه إلى أن على أوروبا أن تستفيد من دروس كيسنجر لتعيد اكتشاف "الرؤية الاستراتيجية الطويلة الأمد بدل الانشغال القصير"، وأن تستعيد "الديبلوماسية القوية" بعد أن فقدت دورها الاستراتيجي وأصبحت تابعة سياسياً للولايات المتحدة.
ويدعو غالون قادة أوروبا إلى "التحلّي بالشجاعة الكافية لوضع مصلحة أوروبا فوق مصلحتهم المهنية".
ويرى أنه مع عودة القتال والمخاطر إلى أوروبا، بات على القارة أن تؤسس لـ"قيادات ورجال دولة" لتفعيل دبلوماسيتها.
ويختم بالقول إن "هنري كيسنجر هو مأساة أوروبية"، على اعتبار أنه هاجر من أوروبا هرباً من النازية إلى الولايات المتحدة، حيث لمع ورسم سياستها الخارجية.
أما ذوايبية، فترى أن القارة الأوروبية بعد الحرب الباردة استبدلت رؤيتها للعالم بإدارة يومية للأزمات، فبرز "التكنوقراط" محلّ "رجال الدولة".
بل تذهب أبعد من ذلك بالإشارة إلى "غياب الرؤى الكبرى مع غياب المشاريع الكبرى"، و"تحوّل القرار الأوروبي إلى توازنات داخلية بين بروكسل والعواصم، بدل أن يكون فعلاً خارجياً يترك أثره في العالم".
وتختم حديثها مع "النهار" بالقول: "أوروبا لم تتوقف عن إنجاب العقول، لكنها كفّت عن مكافأة الشجاعة السياسية. لهذا، أوروبا اليوم تُدار أكثر مما تُقاد".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق