نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أقدم رسالة في زجاجة: قصة مرسلة عبر الزمن - المصدر 7, اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025 05:50 مساءً
المصدر 7 - منذ قرون، استخدم البحّارة والباحثون زجاجات تحتوي على رسائل تُلقى في البحار، كطريقة لتوثيق تجاربهم، أو إجراء تجارب علمية، أو ببساطة للتواصل مع مجهول. لكن القليل من هذه الزجاجات نجت من قساوة المحيط لأكثر من عقد من الزمن، ناهيك عن قرن كامل حتى أن بعض منها أصبح شاهدًا حيًّا على عبور الزمن.
بداية الرحلة: لماذا يُلقى الناس رسائل في زجاجات؟
قبل الشيوع الواسع للتكنولوجيا اللاسلكية والاتصالات، كانت فكرة “رسالة في زجاجة” بسيطة لكنها قوية. والبعض اعتبرها وسيلة رومانسية للتعبير، وآخرون رأوها أداة علمية. وفي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أطلق علماء بعض الرسائل في زجاجات كجزء من تجارب لدراسة التيارات البحرية والمسارات التي تسلكها البحار، وهو ما أدى إلى اكتشافات مهمة في علم المحيطات.
الزجاجة التي انتظرت أكثر من قرنًا القصة التي صنعت الأرقام القياسية
من بين العديد من قصص الزجاجات الطافية عبر البحار، تبرز قصة الزجاجة التي قضت 108 عامًا و138 يومًا في البحر لتصبح واحدة من أقدم الرسائل المكتشفة على الإطلاق، في إبريل من عام 2015، أثناء عطلة لها على جزيرة أمروم في ألمانيا (جزيرة في بحر الشمال)، عثرت السيدة المتقاعدة ماريان وينكلر على زجاجة غريبة مدفونة جزئيًّا في الرمال.
الزجاجة احتوت على بطاقة صغيرة مكتوبة بثلاث لغات (الإنجليزية والألمانية والهلندية)، تطلب من من يجدها أن يكسر الزجاجة ويعيد البطاقة إلى Marine Biological Association في بريطانيا وفي المقابل، وعدت الجهة المرسلة لمن يُعيد الرسالة بمكافأة بسيطة: شلن واحد.
بعد أن أعادت ماريان الرسالة، أوفت المنظمة بوعدها: فقد أرسلت لها شلنًا قديمًا وقد اشترته من موقع eBay!
الغاية من الرسالة
لم تكن هذه الزجاجة تمثل رسالة حب أو نداءً إنسانيًّا، بل كانت جزءًا من تجربة علمية منظمة. أُرسلت من قبل جورج باركر بيددر (George Parker Bidder) ومنظمة Marine Biological Association في نوفمبر 1906، كأحد آلاف الزجاجات التي ألقيت في البحر لدراسة التيارات العميقة ومساراتها كانت الرسالة تطلب من من يجد الزجاجة أن يسجّل موقعها، ومتى وُجدت، ويُعيدها إلى الجهة المرسِلة لتوثيق هذه المعلومات وتم إصدار حوالي 1020 زجاجة في هذه التجربة بين عامي 1904 و1906 وقد عاد نحو 55٪ من هذه الزجاجات، غالبًا من خلال شباك الصيادين.
ما بعد الاكتشاف: التأكيد والرقابة
بعد العثور على الزجاجة، تحققت الجهات المختصة من أصالتها. وفقًا لـ Guinness World Records، تم تأكيد أن هذه الزجاجة هي الأقدم من نوعها عُثر عليها حتى الآن، إذ قضت أكثر من 108 سنة في الماء قبل أن تُسترد.
التحقيق شمل النظر في السجلات الأرشيفية للمنظمة البحرية الألمانية، حيث تم التأكد من تطابق تاريخ إلقاء الزجاجة (30 نوفمبر 1906) مع ما ورد في دفتر ملاحي أو سجلًا بحريًا وهذا نادر جدًا، لأن الكثير من زجاجات التجارب العلمية لم يُسجّل موقع إلقائها بدقة، أو لم تُرَد الرسالة أبدًا.
قصة أكبر من الزمن: الزجاجة التي كُسِرت الأرقام
رغم أن قصة ماريان وينكلر مذهلة، إلا أن هناك قصة أقدم وأكثر غرابة زجاجة بقيت مدفونة في البحر 131 إلى 132 سنة قبل أن تُكتشف، في عام 2018، عثرت تونيّا إلمان (Tonya Illman) مع أسرتها على زجاجة على شاطئ جزيرة Wedge في غرب أستراليا.
داخل الزجاجة، كان هناك ورق متلف قليلاً، لكنه احتوى على رسالة مطبوعة باللغة الألمانية وبعض الكتابة اليدوية، مع بيانات واضحة: الإحداثيات، اسم السفينة (“بولّا” Paula)، واسم القبطان، وموانئ الإقلاع والوصول.
الزجاجة في الأصل أُلقيت من على متن الباركة الألمانية بولّا في 12 يونيو 1886، كجزء من تجربة علمية أجراها مرصد Deutsche Seewarte الألماني لدراسة التيارات البحرية، بعد فحص دقيق من المتحف الأسترالي والغواصين والعلماء في ألمانيا، تأكدوا من صحة الرسالة وتاريخها.
السجل يعكس أن الزجاجات من ذلك المشروع نادرة ما يُعاد العثور عليها وقد تحطمت كثير منها أو غُرِقت، لكن هذه الزجاجة نجت بفضل زجاجها السميك وفتحتها الضيقة، مما حافظ على الورقة بداخلها من التلف.
الدلالات الرمزية والعلمية
هذه القصة ليست مجرد حكاية رومانسية عن رسالة ضائعة تم استعادتها، بل هي شهادة متعددة الأبعاد على:
المثابرة والدهشة الزمنية: الزجاجة التي بقيت لأكثر من قرن تحمل رسالة من زمن بعيد، تذكّرنا بأن بعض الأشياء تتجاوز حدود الزمن بسهولة غير متوقعة. العلم والاستكشاف: التجارب التي أطلقت الزجاجات لم تكن لعبًا، بل جزءًا من بحوث علمية فعلية لفهم التيارات البحرية، وهي مهمة مهمة جدًا لفهم المحيطات، الملاحة، والبيئة. الترابط البشري: من أرسل الرسالة لم يكن يعرف من سيجدها ومتى، ومن وجدها وجد نفسه يشارك في ملحمة تاريخية وربما يكتب فصلًا جديدًا في سجلّها. حفظ التاريخ: الحفاظ على هذه الزجاجات والرسائل بعد مرور الزمن الطويل يتطلب تعاونًا بين متاحف، علماء، متطوعين، ومجتمعات محلية ما يظهر قيمة التراث البشري الطبيعي والثقافي.قصة الرسالة في الزجاجة التي وجدت بعد أكثر من 100 عام تبرز كرمز حي لدورانيّة الزمن، وللقوة الخفية التي يمكن أن تتحلى بها فكرة بسيطة أُلقيت في البحر. من رسالة علمية أُرسِلت بدافع الفضول العلمي، إلى زجاجة اكتُشِفت صدفة على شاطئ بعيد، ثم إعادة توثيقها، هذه الحكاية تمثل انسجامًا بين الماضي والحاضر، وتذكيرًا بأن بعض الرسائل لا تختفي، بل تنتظر فقط من يقرأها.
في عالم سريع الخطى، ربما علينا أن نتوقف أحيانًا، نبحث في رمال الشواطئ — أو في صفحات التاريخ — عن رسائل تدعونا، ربما، لنواصل رحلة بدأت منذ عقود، أو حتى قرون.











0 تعليق