الإعلام الأردني وقوة ناعمة ضائعة: بين زخم الكفاءات وضيق الأفق الانتقائي - المصدر 7

منوعات 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الإعلام الأردني وقوة ناعمة ضائعة: بين زخم الكفاءات وضيق الأفق الانتقائي - المصدر 7, اليوم السبت 15 نوفمبر 2025 05:30 مساءً

المصدر 7 - جو 24 :

 

كتب أحمد عبدالباسط الرجوب

من يتابع ما يُبث على بعض فضائياتنا وإذاعاتنا اليوم، لا يملك إلا أن يتساءل: أين ذلك الإعلام الأردني الرصين الذي كان؟ يخيل للمشاهد أن الأردن، بلد الكفاءات والعقول، قد أفقد قوته الناعمة الإعلامية باختياره الطوعي للتواضع الفكري والضحالة في المحتوى. فبين زخم الطاقات الهائلة في جامعاتنا ومؤسساتنا، وبين ما يعرض على شاشاتنا، هوة واسعة تطرح سؤالاً مصيرياً عن دور الإعلام في زمن الفضاء المفتوح.

أزمة الانتقائية و"الوجوه الخمسة" المتكررة:

تفسير هذه الظاهرة بسيط، لكنه جوهري. لقد اختزلت بعض وسائل إعلامنا المشهد الفكري إلى دائرة ضيقة من "الذوات" نفسها، تتردد وجوههم على مختلف البرامج. مخزونهم الفكري محدود، وحججهم متكررة، وكأن البلاد التي تزخر بعلماء وأطباء ومهندسين واقتصاديين وإداريين متميزين، تعاني من شح في الكفاءات! هذه الانتقائية غير المبررة هي التي جعلت المحتوى الفضائي والإذاعي متواضعاً، يدفع المشاهد المحبط إلى تقليب القنوات بلا طائل.

وعندما نقارن هذه الصورة بما تقدمه الفضائيات العربية المنافسة من استضافة لعمالقة الفكر والباحثين، أو حتى بمستوى مذيعيها ومقدمي برامجها، نجد الفجوة تتسع. فبدلاً من الحوار الهادف والتحليل العميق، يتحول البرنامج أحياناً إلى مجرد "دردشة في كوفي شوب"، أو كما أصبحت التسمية الدارجة بدقة: "أهوه"، مما يفقد الإعلام هيبته ومصداقيته كمنصة للتأثير والنقاش العام.

اتحسر كثيراً على حوارات شاشتنا الوطنية، وبخاصة أداء بعض مقدمي البرامج الحوارية. "العرس بالصريح والطخ بكفريوبا"! ليه كده يا جماعة، والله ما يصح اللي بتعملوه فينا؟!!

الإعلام جبهة وطنية: من الرؤية إلى التطبيق

أفتخر بأنني كنت من السباقين إلى التنبيه بهذه الأزمة ووضع الحلول العملية لها، حيث طالبت منذ العام 2003 بإنشاء قناة فضائية لتسويق الأردن، وقدمت عرضاً (Presentation) لهذه الفكرة في الديوان الملكي العامر. وللتأكيد، فقد نشرت مقالاً في هذه الصحيفة الغراء سنة 2015 بعنوان "القناة الفضائية الثالثة ... بين مد وجزر" (تاريخ النشر: 2015-08-25)، وهي الرؤية التي تكللت لاحقاً بإنشاء "قناة المملكة". كانت الفكرة تنبثق عن إيمان راسخ بأن الإعلام في عصر الفضاء المفتوح هو جبهة دفاع عن القيم والمصالح العليا للدولة.

لقد وضعت لهذه القناة رؤية شاملة "خارطة طريق للإعلام الوطني الطموح"، ترتكز على:

1. ترسيخ الهوية الأردنية والعربية والإسلامية.

2. تمكين المرأة والشباب وغرس روح الانتماء والإبداع.

3. تعزيز دور الأردن الإقليمي والدولي في السياسة والاقتصاد والثقافة.

4. تسويق ثروتنا الحقيقية: السياحة والإنسان الأردني المتميز.

5. تسويق الأردن بلد الأمن والأمان الضامن للمستثمرين أموالهم وحرية تنقلهم.

6. الالتزام بالموضوعية والدقة والمنافسة الشريفة، وعرض وجهات النظر المختلفة باحترام.

هذه المعايير هي ما يُفترض أن يكون عليه الإعلام المسؤول، شريكاً في التنمية، وصانعاً للرأي العام الواعي، ومدافعاً عن مصلحة الوطن في الساحة الدولية.

الإدارة الكفوءة والخلاصة: من التنظير إلى الفعل

ولكن وضع الرؤية وحده لا يكفي. ومن واقع الازمات الاعلامية العربية "وغير بعيد عن وضعنا الاعلامي المتواضع " علينا أن نتخيل المشهد الإعلامي لإحدى القنوات الفضائية العربية، نذكر هنا بأنه وخلال 720 يوماً من أتون الحرب المسعورة على غزة، فقد تصدر المشهد أربعة أشخاص لا أعرف إن كانوا محللين جيوسياسيين أم صحفيين، وخمسة جنرالات علمهم بالحروب كعلم المطربة "بديعة ام ركبة" بالبرنامج النووي الإيراني (هلكونا تنظير!). وأمام المشاهدين، كانوا يقرأوا من الخلوي أخبار وتحليلات الصحافة العربية والعبرية ويتشدقون بها عبر الشاشة المستطيلة. لهو دليل صارخ على أزمة إدارة وتنفيذ.

فالإعلام اليوم لم يعد مجرد ناقل للأخبار، بل تحول إلى صناعة ثقافية قادرة على تشكيل وعي الإنسان وإعادة صياغة اهتماماته. وهذا يتطلب إدارة كفوءة ذات رؤية بعيدة المدى، قادرة على انتقاء الكفاءات المؤهلة، وتسويق المنتج الإعلامي بشكل احترافي، والارتقاء به من دائرة "التنظير" الفارغ و"الأهازيج" إلى فضاء الحوار العقلاني البناء.

خاتمة:

الجواب على سؤالي "هل فقد الأردن قوته الناعمة الإعلامية؟" هو أن الأردن لم يفقدها، بل إنها موجودة في جامعاته ومؤسساته وكفاءاته البشرية الزاخرة. لكن الإشكالية تكمن في أن جزءاً من منصاته الإعلامية لم يستطع بعد توظيف هذه الثروة أو حتى الوصول إليها. القوة الناعمة الأردنية حبيسة الصالونات المغلقة وانتقائية غير مفهومة. والخلاص يكون بالعودة إلى تلك الرؤى التأسيسية، وبرفد الإعلام بالكفاءات الحقيقية، وإدارة هذه المنظومة بعقلية حديثة تدرك أن الإعلام هو سلاحنا الناعم في معركة الوجود والفكر، وليس منصة للتهويل أو التصعيد المجاني. آن الأوان ليعود الإعلام الأردني صوتاً للحقيقة والجمال والعقل، كما يستحق شعبنا ووطننا.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : الإعلام الأردني وقوة ناعمة ضائعة: بين زخم الكفاءات وضيق الأفق الانتقائي - المصدر 7, اليوم السبت 15 نوفمبر 2025 05:30 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق