خاص – قال الخبير الاقتصادي زيان زوانة إن مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2026 لا يختلف في جوهره عن موازنات السنوات السابقة، إذ ما زالت الحكومة «أسيرة قرارات الحكومات التي سبقتها»، الأمر الذي يجعل هيكل الموازنة يتكرر عاماً بعد عام دون تغييرات جوهرية.

وأضاف زوانة لـ الاردن24 أن النفقات العامة في مشروع الموازنة تقدر بنحو 13 مليار دينار، مقابل إيرادات تبلغ نحو 11 ملياراً، ما يعني أن العجز سيقترب من ملياري دينار، مبيّنا أن الحكومة مطالبة خلال العام المقبل بتسديد ما يقارب 10 مليارات دينار من القروض السابقة، وهو ما يضطرها مجدداً إلى الاقتراض لسداد الديون وتمويل العجز.

وأشار زوانة إلى أن «الحكومات في الأردن تتوارث قرارات بعضها، فالحكومة الحالية أسيرة قرارات سابقتها، وتلك بدورها كانت أسيرة التي قبلها، ولهذا يبقى هيكل الموازنة متشابهاً ولا يختلف كثيراً من عام لآخر».

وبيّن زوانة أن الحلول الاقتصادية الحقيقية لا تأتي من مزيد من الاقتراض، بل من إصلاح قطاعات أساسية تمس حياة المواطن بشكل مباشر وتخفف أعباءه، ما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني. وأبرز هذه القطاعات هي:

أولاً: النقل العام

أوضح زوانة أن الأردن تأخر كثيراً في بناء نظام نقل عام فعّال، ما اضطر المواطنين إلى شراء سيارات خاصة وتحمل أعباء مالية كبيرة تشمل الأقساط، والبنزين، والصيانة، والترخيص، والتأمين.

وقال إن إنشاء شبكة نقل عام متطورة ومنظمة سيساعد على خفض نفقات الأسر الشهرية، وسيوفر جزءاً من الدخل يمكن توجيهه للاستهلاك أو الادخار، مشيراً إلى أن التحول إلى النقل العام يحتاج إلى سنوات لأنه يرتبط بعادات راسخة لدى المواطنين.

ثانياً: الإسكان منخفض الكلفة

وأكد زوانة أن أسعار الشقق في الأردن لم تعد في متناول معظم المواطنين، إذ لا يقل ثمن الشقة عن 80 ألف دينار، في وقت تصل فيه قروض الأفراد من البنوك إلى نحو 14 مليار دينار، يذهب حوالي 35% منها لشراء شقق، ونسبة قريبة منها لشراء سيارات.

ويرى زوانة أن الحل يكمن في إعادة تفعيل مشاريع الإسكان منخفض الكلفة، مستفيدة من الأراضي الحكومية وأراضي أمانة عمان لتقليل كلفة البناء. وقال: «عندما تكون الأرض مملوكة للدولة، تنخفض كلفة المشروع بشكل كبير، ويمكن بناء وحدات سكنية بمساحات 100 إلى 120 متراً بأسعار تناسب ذوي الدخول المتوسطة».

وأشار إلى أن هذه المشاريع يمكن تنفيذها من خلال شراكات بين الحكومة والقطاع الخاص، على أن تُمنح الشركات امتيازات محددة مقابل إنشاء مجمعات سكنية بأسعار معقولة، مما يخفف الضغط عن الأسر ويعيد التوازن إلى سوق الإسكان.

ثالثاً: التعليم

أما في قطاع التعليم، فأكد زوانة أن تراجع مستوى التعليم الحكومي دفع معظم الأسر، حتى من الطبقة المتوسطة والدنيا، إلى تسجيل أبنائها في مدارس خاصة، ما يرهقها مالياً.

وقال إن بعض المدارس الخاصة تتقاضى رسوماً سنوية تتجاوز 5 أو 6 آلاف دينار، وهي أرقام لا تتناسب مع دخول غالبية الأسر الأردنية. وأضاف أن «إصلاح التعليم العام وتطويره هو أولوية وطنية، لأن تحسين نوعيته يخفف من توجه الناس نحو المدارس الخاصة، وبالتالي يقلل الإنفاق الأسري بشكل مباشر».

وأشار أيضاً إلى أهمية تنظيم النقل المدرسي عبر توفير حافلات تجمع الطلبة من مناطق محددة، مما يخفف كلفة النقل على الأسر العاملة ويزيد الأمان للطلاب، خصوصاً في المناطق النائية.

واقترح زوانة عدداً من الآليات لتمويل هذه الإصلاحات دون زيادة الاقتراض:

- استغلال الأراضي الحكومية في تنفيذ مشاريع الإسكان والنقل بدلاً من بيعها لأغراض تجارية.

- الشراكة مع القطاع الخاص لتنفيذ مشاريع خدمية وبنى تحتية مقابل امتيازات محددة.

- بيع خدمات وأصول إنتاجية أو منح امتيازات تشغيلية لمؤسسات محلية وأجنبية مقابل تطوير مشاريع تنموية.

- إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام لتوجيهه نحو القطاعات التي تريح المواطن مباشرة وتخفض كلف المعيشة.

وختم زوانة بالقول إن «التعامل مع الموازنة بمنطق الأرقام وحده غير كافٍ»، مشيراً إلى أن الإصلاح الحقيقي يبدأ من تحسين نوعية حياة المواطن.

وأضاف: «عندما توفّر الدولة نظام نقل عام فعّال، وسكناً مناسباً، وتعليماً حكومياً جيداً، فهي لا تريح المواطن فقط، بل تخفف من حاجته للاقتراض، وتقلل من الضغوط على الموازنة العامة نفسها».