نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لوحات عين الرّمانة - المصدر 7, اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 10:21 صباحاً
المصدر 7 - بوسطة عين الرمانة، بيروت، 13 نيسان/أبريل 1975... يوم أسود عاشه لبنان وغيّر مجرى تاريخه، يوم اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية التي لا أحد يتحدث عنها اليوم وكأنها لم تحدث أبداً، وإن تحدث عنها أحد أو عن ذاك اليوم أو عن تلك الحادثة المشؤومة، تبرز روايات متناقضة ومتضاربة وحقيقة ملونة. فلا تحقيق معمق ولا رواية رسمية. صحيح أن هناك تحليلات كثيرة لنتائجها ولكن ما من حقيقة واحدة بل حقائق شتّى للحادثة نفسها.
"بيروت، 13 نيسان 1975... شرارة على مشرحة التاريخ" هو كتاب نص سردي للصحافي والكاتب اللبناني الفرنسي مروان شاهين الحائز جائزة فرنسا - لبنان (ADELF) لعام 2024 وجائزة L’Œuvre d’Orient الأدبية لعام 2025، وتم الاقتباس منه لعرض مسرحي مبهر من إخراج البروفيسورة كارول المدور وثمثيل طلاب الجامعة اللبنانية، قسم اللغة الفرنسية وآدابها، كلية الآداب والعلوم السياسية الفرع الأول في المركز الفرنسي في لبنان.
مع أن الحادثة معروفة على نطاق واسع، إلا أن أحداً لا يعرف حقيقة ما حدث في ذلك اليوم. هل كانت عملية مُدبّرة؟ عملاً انتقامياً؟ حادثة عرضية؟ تكثر الشائعات، وتستمر الأساطير. عائداً إلى موطن والده عام 2015، بدأ شاهين التحقيق في هذه القضية المحرمة. وبرغم ثقافة الصمت ونسيان الماضي، تعقّب أبطال المأساة واحداً تلو الآخر وتمكن من جمع أجزاء لا تُحصى من هذا اللغز المأساوي، منهم "أبو زيد"، أول رجل أطلق رصاصة على الباص، وبالتالي أول رجل أطلق رصاصة من سلاحه في الحرب الأهلية، وأقارب ضحايا في الباص، وشواهد كانوا في ذلك الشارع يومها.
يمثل هذا الكتاب رحلة بحث شخصية وصورة مؤثرة لبلد تسكنه الأشباح. ويكمن وراء كل ذلك السؤال المُلحّ: كيف نروي قصصنا؟
العرض المسرحي ينقلنا عبر الزمن ويرجع بنا 50 عاماً إلى الوراء، إلى عين الرمانة تحديداً حيث وقعت الحادثة التي لم تكن مجرد حادثة، بل بداية حرب أهلية مزّقت لبنان لأكثر من خمسة عشر عاماً. وللأسف توقف تاريخنا في عام 1945. ومنذ 1975، أصبح تاريخنا مجزأً، مقسماً، ملوناً، متضارباً، كلبناننا اليوم.
من العرض المسرحي في المركز الفرنسي في لبنان
من خلال هذا العرض المسرحي، نتوصل إلى استنتاج مؤسف، وهو كم ذاكرتنا الجماعية مثقوبة، وكم نجهل من تاريخنا المعاصر بسبب عوامل عدة، أهالينا الذين لا يحدثوننا عنه بقصد أو بغير قصد، وبسبب عدم وجود كتاب تاريخ موحد للحرب وللأحداث، وبسبب تشبعنا بالروايات التي نسمعها من محيطنا المغلق من دون رغبة في سماع الآخر أو تفهمه.
يشكل الكتاب رحلة بحث في الذاكرة اللبنانية لمحاولة فهم الشرارة التي أشعلت الحرب الأهلية، لا كحدث سياسي أو أمني فقط، بل كجرحٍ شخصي وجماعي. يقول شاهين إنه كتب هذا العمل أولاً لنفسه، ثم للبنانيين الذين ما زال كثير منهم يجهلون تفاصيل تلك الحرب التي شكّلت حاضرهم.
مروان شاهين يوقع كتابه بعد العرض المسرحي في المركز الفرنسي في لبنان
لم يسع شاهين إلى تبرير أفعال أي طرف، بل إلى الفهم، معتبراً أنه "ما دمنا لا نحاول الفهم، فلن ننسى جراحنا". يعترف بخوفه من ردود الفعل، لكنه يرى في الكتاب محاولة لبناء سردية مشتركة، ومصالحة بين الفرد وتاريخه.
يصف أصعب ما في الكتابة بأنه "النهاية"، ومحاولة ربط الماضي بالحاضر، خاصة بعد هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر واندلاع الحرب في غزة عام 2023. بالنسبة إليه، فهم الماضي ليس ترفاً ثقافياً، بل شرط للشفاء الجماعي من العنف والإنكار. يرى أن مواجهة الذاكرة هي الخطوة الأولى نحو الشفاء والخلاص.
يعيش لبنان كل فترة من الزمن أزمة أو حرباً صعبة لا ترحم، وكل جيل يواجه أزمات صعبة، بين بوسطة عين الرمانة 1975 وانفجار المرفأ 2020، واجه شعبنا آلاف المآسي، قُتل أكثر من 400,000 وهاجر الملايين وفُقد الآلاف. وما من مسؤول، وما من عدالة، وما من حقيقة!
إنّ "بيروت، 13 نيسان 1975... شرارة على مشرحة التاريخ" ليس مجرد استعادة ليومٍ غيّر لبنان، بل محاولة وجدانية موضوعية لإعادة طرح الأسئلة التي خُنقت بالصمت. إنه بحث في الذاكرة والهوية، ودعوة إلى مواجهة الحقيقة مهما كانت مؤلمة وإلى كسر دوامة النسيان، لأن الوطن الذي لا يواجه ماضيه، محكوم بتكراره.










0 تعليق