والأداة، التي تحمل اسم "نموذج الانتشار الخلوي"، قد تحدث ثورة في تشخيص أمراض خطيرة مثل اللوكيميا، وتعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي نفسها المستخدمة في نماذج الذكاء اصطناعي لتوليد الصور من النصوص مثل "DALL-E"، لكنها مخصصة لرصد أدق الاختلافات في شكل وهيكل خلايا الدم.

أنواع مختلفة من خلايا الدم حُللت باستخدام اسم آداة "نموذج الانتشار الخلوي"

وتكشف الدراسة، التي نشرتها دورية "نيتشر ماشين إنتيليجنس"، أن النظام قادر على التمييز بين آلاف الخلايا في "لطاخة دم" واحدة، وتحديد الخلايا الطبيعية والشاذة وحتى النادرة منها، وهي مهمة قد تستغرق من الطبيب زمناً طويلاً وتصل أحياناً إلى اختلاف التقدير بين الخبراء.

تقنية تنظر إلى ما لا يستطيع البشر رؤيته
ويقول الباحث سايمون ديلتادهال من جامعة كامبريدج، المؤلف الرئيسي للدراسة، إن الميزة الكبرى للأداة تكمن في قدرتها على فحص آلاف الخلايا دفعة واحدة، وهو أمر "مستحيل على البشر". وأضاف: "نموذجنا يمكنه فرز الحالات الروتينية تلقائياً، وإبراز أي خلية غير طبيعية لمراجعة الطبيب".

الدافع وراء تطوير هذه الأداة كان تجربة شخصية لطبيب أمراض دم شاب شارك في البحث، الدكتور سوتيش سيفابالاراتنام، الذي قال: "بعد يوم طويل في العمل، كنت أواجه الكثير من شرائح الدم لتحليلها. وكنت مقتنعاً أن الذكاء الاصطناعي يمكنه أداء المهمة بدقة أكبر".

درب الباحثون النموذج على أكثر من 500 ألف صورة من مستشفى أدينبروكس في كامبريدج، أكبر مجموعة من صور لطاخات الدم (عينات دم تُفرد على شريحة زجاجية للفحص المجهري) تُجمع لأغراض بحثية، وتضم القاعدة خلايا شائعة وأخرى نادرة، إضافة إلى عناصر قد تربك الأنظمة الآلية.

وعلى عكس النماذج التقليدية التي تقسم الخلايا إلى فئات محددة، يقوم" نموذج الانتشار الخلوي" المبتكر بتمثيل الشكل الكامل لتنوع الخلايا، مما يجعله أكثر قدرة على التعامل مع اختلافات أجهزة التصوير والمجاهر، اكتشاف الخلايا غير المألوفة، التعرّف على التشوّهات المرتبطة باللوكيميا بحساسية أعلى من الأنظمة الحالية.

الأداة لم تتفوق على الأطباء فحسب، بل تميزت بقدرتها على تحديد مستوى عدم اليقين في قراراتها، وهي مهارة بشرية أساسية.

الذكاء الاصطناعي يخدع الأطباء
وفي خطوة لافتة، أنتج النموذج صورا اصطناعية لخلايا الدم شبيهة تمامًا بالصور الحقيقية. وعندما عُرضت على 10 أطباء متخصصين في أمراض الدم، لم يتمكنوا من التمييز بينها وبين الصور الفعلية.

وقال ديلتادهال: "هذا كان مذهلاً.. هؤلاء الخبراء ينظرون إلى خلايا الدم طوال اليوم، ومع ذلك لم يستطيعوا التمييز".

أنواع مختلفة من خلايا الدم حُللت باستخدام اسم آداة "نموذج الانتشار الخلوي"

ويُطلق الباحثون أيضا أكبر قاعدة بيانات عامة في العالم لصور لطاخات الدم،أكثر من نصف مليون صورة، لتمكين الباحثين حول العالم من تطوير نماذج جديدة لتعزيز تشخيص الأمراض الدموية.

ويشدد الفريق على أن" نموذج الانتشار الخلوي" المبتكر لن يحل محل الأطباء، لكنه سيُحدث نقلة نوعية في سرعة ودقة التشخيص.

ويعلق البروفيسور باراشكيف ناشيف من جامعة لندن الجامعية قائلاً: "قيمة الذكاء الاصطناعي الحقيقية لا تكمن في تقليد الخبراء، بل في قدرته على تقديم قوة تشخيصية وتنبؤية تفوق ما يمكن للبشر أو الإحصاءات التقليدية تحقيقه."

ويدرس الباحثون الآن تطوير النموذج ليصبح أسرع وأكثر قدرة على التعامل مع اختلافات المرضى حول العالم لضمان الدقة والإنصاف في التشخيص.