نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الهيئة الوطنية الفلسطينية المستقلة للمساءلة القانونية الدولية - المصدر 7, اليوم الاثنين 17 نوفمبر 2025 10:00 صباحاً
كتب فايز محمد أبو شمّالة - الإطار المؤسسي لتوحيد المواجهة القانونية مع الاحتلال الاسرائيلي يأتي هذا المقال استكمالًا لمقالي السابق «المعركة الجديدة: القانون الدولي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي»، الذي خلص إلى أن المواجهة القانونية مع الاحتلال الإسرائيلي لم تعد خيارًا تكميليًا أو ثانويًا، بل أصبحت ساحةً مركزيةً في النضال الفلسطيني؛ الأمر الذي يستوجب الانتقال من توظيف القانون الدولي كأداة ضغط ظرفية إلى بناء مسارٍ وطني مؤسسي قادر على قيادة هذه المواجهة باحتراف واستقلالية.
وبعد أن بيّنّا التحوّل المتسارع في الساحة القانونية الدولية، وما شهده من مراكمة للشرعية القانونية وتجريمٍ متصاعدٍ لمنظومة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي، تقدّم هذه المقالة الخطوة العملية التالية عبر بحث تأسيس هيئة وطنية فلسطينية مستقلة للمساءلة القانونية الدولية، تكون إطارًا وطنيًا موحّدًا وفعّالًا يُنظّم الجهد القانوني، ويستثمر المكتسبات القضائية في مسارات مهنية مستدامة، ويحوّلها إلى أدوات مساءلة وروافع سياسية تعزّز موقع القضية الفلسطينية في المنظومة الدولية وتدعم نضال الشعب الفلسطيني.
تكشف التجربة العملية خلال العامين الماضيين أنّ الساحة القانونية باتت جزءًا أصيلًا من ميدان المواجهة مع الاحتلال، وأن أثرها لم يعد رمزيًا أو دعائيًا، بل واقعًا ينعكس على مواقف الرأي العام والبيئات السياسية والمؤسسية حول العالم.
ومع ذلك، لا تزال الجهود الفلسطينية القانونية مشتّتة بين أطر مؤسسية متعددة ومبادرات فردية أو أهلية متفرّقة، بما يجعل كثيرًا من الفرص تضيع دون تراكم أو متابعة منهجية. فالانتهاكات الجسيمة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة — وفي مقدّمتها جريمة الإبادة الجماعية وما رافقها من تدمير واسع النطاق للبنية المدنية — وفي الضفة الغربية والقدس — حيث الضمّ الزاحف، والاستيطان غير المشروع، وهدم المنازل، والتهجير الداخلي، والعقوبات الجماعية، وتقييد الحركة، وسلب الموارد، والاعتقال التعسفي، والتعذيب — ليست أفعالًا متفرّقة، بل منظومة استعمارية ممنهجة ممتدة منذ عام 1948، تهدف إلى تفريغ الأرض من أصحابها وإعادة هندسة بنيتها الديمغرافية بالقوة.
ويتجلّى ضمنها نظام فصل عنصري مركّب، يقوم على منظومة قانونية وإدارية وأمنية تُخضع السكان الأصليين لهيمنة وتمييز مؤسسي واسع، على نحوٍ ينسجم مع تعريف جريمة الفصل العنصري الواردة في اتفاقية مناهضة جريمة الفصل العنصري لعام 1973 ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
هذا الواقع لا يمنحنا ترف العمل التجزيئي أو الاستجابة الظرفية، بل يفرض بناء مسار وطني مؤسسي للمساءلة القانونية يستند إلى مرجعيات راسخة تشمل القانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف ولا سيما الرابعة، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، واتفاقية مناهضة الفصل العنصري، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وآراء محكمة العدل الدولية في قضيتي الجدار عام 2004 والآثار القانونية للاحتلال عام 2024، والتدابير المؤقتة الصادرة في قضية الإبادة الجماعية المرفوعة من جنوب أفريقيا ضد دولة الاحتلال عام 2024، فضلًا عن قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ذات الصلة.
من هنا تبرز الحاجة العملية إلى إطار وطني موحّد قادر على قيادة هذا المسار، لا بوصفه عنوانًا جديدًا يضيف طبقة بيروقراطية، بل باعتباره مركزًا للثقل المؤسسي يوفّر وحدة الاتجاه، ويضبط جودة المنتج القانوني، ويصل جسور التعاون بين الداخل والشتات وبين الفاعلين الفلسطينيين وشركائهم الدوليين. تُدار المواجهة مع الاحتلال في ساحات القانون وفق خططٍ وطنية مؤسسية تتكامل فيها الأبعاد السياسية والمهنية.
والمقترح المطروح هو تأسيس هيئة وطنية فلسطينية مستقلة، تُبنى على قاعدة المبادرة المجتمعية والشراكة الوطنية التشاركية، وتتشكّل في مرحلتها الأولى من خبراء في القانون الدولي وقضاة ومحامين وباحثين ومتخصصين في حقوق الإنسان والأدلة الرقمية والطب الشرعي، إلى جانب ناشطين في الحراكات الشعبية ولا سيما المؤتمرات الشعبية والوطنية الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني في الداخل والشتات، وذلك دون انتظار قرارٍ فوقي أو تفويضٍ تنفيذي، مع فتح باب الانضمام وفق معايير مهنية واضحة تضمن الكفاءة والنزاهة والتمثيل الواسع.
تعمل الهيئة بموجب ميثاق داخلي يكرّس مبادئ الشفافية والاستقلال المالي والإداري ومنع تضارب المصالح، ويحدّد بوضوح توزيع الصلاحيات بين البعد الوطني التوجيهي والبعد المهني التنفيذي. إذ تشارك القوى السياسية والمجتمعية في رسم التوجهات العامة وضمان التمثيل الوطني، ويتولى إدارة الملفات القضائية مجلسٌ تنفيذي من قانونيين مستقلين مشهود لهم بالكفاءة والخبرة والنزاهة، على أن تُحصر عضويتهم بمن لا يشغل موقعًا حزبيًا أو تنفيذيًا رسميًا، بما يصون القرار القانوني من الاستتباع السياسي.
وإلى جانب المجلس التنفيذي، ُينشأ مجلسٌ استشاري بتمثيلٍ وطنيٍّ واسع يضم ممثلين عن الفصائل والأحزاب الفلسطينية، والنقابات المهنية، والاتحادات والمنظمات الشعبية، والمؤتمرات الوطنية والشعبية في الداخل والشتات، والنقابات والهيئات القانونية، إلى جانب ممثّلين عن الجاليات الفلسطينية حول العالم، وشخصيات وطنية مستقلة، وخبراء في القانون الدولي وحقوق الإنسان والعلاقات الدولية والإعلام والدبلوماسية العامة.
ويهدف هذا التمثيل الموسّع إلى منع احتكار القرار وترسيخ الشراكة بين الداخل والشتات، وتنويع قنوات التأثير والمتابعة عبر ساحات متعددة ومراكز قرار مختلفة. الهيئة واستعادة الدور التمثيلي للمنظمة من الناحية العملية، تبقى منظمة التحرير الفلسطينية الجهة الوحيدة المعترَف بها دوليًا كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وهي صاحبة الأهلية القانونية لرفع الدعاوى أمام المحاكم الدولية وتقديم المطالبات الرسمية الخاصة بالحقوق الوطنية. وانطلاقًا من هذه الحقيقة، تعمل الهيئة المقترحة بوصفها إطارًا وطنيًا مستقلاً يختص بالتحقيق القانوني وبناء الملفات المهنية وتقديم التوصيات والخيارات الإجرائية للمنظمة، مع تفعيل الضغط
الجماهيري والدعم الشعبي كجزء من آليات الصراع الوطني لدفعها إلى الاضطلاع بواجباتها القانونية والدبلوماسية تجاه جرائم الاحتلال، ومساءلته أمام القضاء الدولي كلما تقاعست قيادتها أو تلكأت في تحمّل مسؤولياتها، بحيث تقوم العلاقة بين الطرفين على التكامل والتنسيق العريض دون المساس باستقلال القرار القانوني المهني، وبما يعزّز دور المنظمة وقدرتها على ممارسة ولايتها التمثيلية في الساحة الدولية.
وبهذا المعنى، لا تشكّل الهيئة بديلاً عن المنظمة، بل أداة وطنية لتصويب دورها وتحفيزها، وساحة مكمّلة ترفد المواجهة السياسية والقانونية في سبيل حماية الحقوق الوطنية.
وفي مرحلة لاحقة، تُدرج الهيئة ضمن إطار حوار وطني شامل يسهم في عملية إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل مؤسساتها ومع تحقّق شروط الإصلاح الوطني واستعادة المنظمة لدورها التمثيلي الديمقراطي، يمكن أن تصبح هذه الهيئة إحدى الركائز المؤسسية الرئيسة داخل بنيتها الجديدة، بما يعزّز موقعها القانوني والسياسي في خدمة القضية الفلسطينية وإنفاذ حقوق الشعب الفلسطيني.
ولاية الهيئة واختصاصاتها القانونية أما في مستوى الولاية والاختصاص، فتنهض الهيئة بمهمات متكاملة تبدأ من توثيق الانتهاكات وفق معايير سلسلة الحفظ والضبط (Chain of Custody)، مرورًا ببناء الملفات وتحليل النصوص القانونية وجمع الروايات والشهادات والتقارير الطبية وصور الأقمار الصناعية والأدلة الرقمية والتحقيق الجنائي، وصولًا إلى صياغة الشكاوى والعرائض القانونية وتقديمها لدى المحاكم الوطنية التي تتيح ولايتها القضائية العالمية، ولدى المحكمة الجنائية الدولية في الملفات التي تندرج ضمن اختصاصها الموضوعي والزمني والشخصي، وإحالة الحالات ذات الصلة إلى لجان الأمم المتحدة والمقرّرين الخاصين وهيئات المعاهدات لكسب قرارات وتقارير أممية تُعزّز الموقف القانوني وتُستخدم لاحقًا كأدلة مساندة أمام دوائر التقاضي.
وتتحدّد أولويات العمل وفق معايير حجم الانتهاك وخطورته واستمراريته وإمكان التحرك الفعّال وعدالة الموارد المتاحة، بما يشمل ملاحقة جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، وتثبيت عدم مشروعية الاستيطان والضمّ والجدار استنادًا إلى رأي محكمة العدل الدولية الصادر عام 2024 وما راكمته فتوى الجدار عام 2004، ومتابعة ملفات الأسرى والاعتقال التعسفي والتعذيب وفق اتفاقيات جنيف واتفاقية مناهضة التعذيب، وتفعيل الولاية القضائية العالمية في الدول الأوروبية والأميركية اللاتينية وسواها حيث يتيح القانون الوطني ملاحقة المتهمين بارتكاب الجرائم الجسيمة.
وإلى جانب مسار المحاكم، تتولّى الهيئة الحضور المؤسسي المنتظم في هيئات الأمم المتحدة، وتنسّق مع البرلمانات الوطنية والجماعات القانونية المهنية ومراكز الأبحاث ومنظمات المجتمع المدني الدولية، بما يحوّل الحراك القانوني إلى شبكة تأثير متعددة المسارات.
ولضمان جودة المنتج القانوني واستدامته، تقيم الهيئة برامج تدريب وبناء قدرات مستمرة للمحامين والباحثين الفلسطينيين في مجالات التقاضي الدولي وتحليل الأدلة الرقمية وإعداد المرافعات وفق المعايير الدولية، بما يراكم رصيدًا مهنيًا وطنيًا ويقلّل من الارتهان إلى الخبرات الخارجية عند كل استحقاق.
كما تُطلق شراكات بحثية مع جامعات ومختبرات طب شرعي ومراكز تحليل صور أقمار صناعية لتطوير أدوات التوثيق والبرهنة، وتُنشئ قاعدة بيانات مركزية مؤمّنة تحفظ المواد الحساسة وتسهّل الإحالات المتقاطعة بين القضايا، بما يعزّز الفعالية ويضمن الحفظ الآمن للمواد القانونية الدقيقة.
تحويل العدالة الدولية الى قوة ضغط سياسية وشعبية ومن المهم التأكيد أن دور الهيئة لا ينعزل عن الفضاء السياسي والإعلامي والشعبي، بل يتكامل معه من خلال إدارة استراتيجية للاتصال العام تشرح للرأي العام الفلسطيني والعالمي مغزى الخطوات القضائية، وتفكّك الدعاية الإسرائيلية، وتُبرز مركزية العدالة الدولية في مسار التحرر.
وبهذا المعنى، تُحوِّل الهيئة القرارات القضائية والآراء الاستشارية إلى روافع سياسية وقيمية تضغط باتجاه عزل منظومة الاستعمار الاستيطاني الاسرائيلي، وتفرض على الحكومات والبرلمانات وشركات السلاح والتكنولوجيا والجامعات نقاشات أخلاقية وقانونية لا مفرّ منها، بما يوسّع دوائر التضامن ويعمّق العزلة على الاحتلال.
إنّ تأسيس هيئة وطنية فلسطينية مستقلة للمساءلة القانونية الدولية ليس ترفًا تنظيميًا أو استجابةً ظرفية، بل تحوّلًا استراتيجيًا في أدوات النضال يعيد تنظيم المواجهة في ساحة طالما استغلّتها دولة الاحتلال لتبرير عدوانها، ويعيد تموضعنا كطرف يملك الرواية والحجّة والأداة ويستثمرها بحرفية. فالقانون حين يُدار باحتراف واستقلال يتحوّل من احتجاج أخلاقي عابر إلى سلاح مؤسسي طويل الأمد، يُراكم القرارات، ويُنتج آثارًا عملية على حرية حركة الجناة وشرعيتهم السياسية، ويُلزم المجتمع الدولي باحترام التزاماته في منع الجرائم الخطيرة وإنفاذ قواعد القانون الدولي.
وفي هذا الإطار، لا تنفصل المعركة القانونية عن باقي ميادين النضال، بل تتكامل معها على قاعدة التنسيق السياسي والوطني، بما يوسّع دائرة العزلة على منظومة الاستعمار الاستيطاني الاسرائيلي، ويعزّز حقوق الشعب الفلسطيني .
بهذه الرؤية، تُصبح الهيئة المقترحة أداةً جامعةً لتوحيد المواجهة القانونية وتعظيم أثرها، ولتحويل الإنجازات القضائية إلى نتائج ملموسة في السياسة والإعلام والمجتمع المدني، ولإعادة بناء صلة حيوية بين الداخل والشتات وبين الخبرة الوطنية وشبكات التضامن العالمية.
إنّ الطريق طويل ولا يخلو من التعقيدات، لكن ما راكمته السنوات الأخيرة من تحوّل نوعي في الساحة القانونية يتيح لنا، إذا أحسنّا البناء والتنفيذ، أن ننتقل من ردود الفعل المتفرقة إلى مسار وطني مؤسسي يراكم ويُحاسب ويُنفّذ، ويعيد الاعتبار لفكرة العدالة كجزء لا يتجزأ من معركة التحرّر الفلسطيني.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : الهيئة الوطنية الفلسطينية المستقلة للمساءلة القانونية الدولية - المصدر 7, اليوم الاثنين 17 نوفمبر 2025 10:00 صباحاً
















0 تعليق