نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حين بكت الإنسانية: قراءة في روايات البؤس والرحمة - المصدر 7, اليوم السبت 15 نوفمبر 2025 09:32 مساءً
المصدر 7 -
في لحظة تأمل خطرت في مخيلتي ثلاث روايات كان لها تأثيرا كبيرا على نفسيتي ونفسية ملايين البشر، وهي:
• البؤساء لفيكتور هوجو
• مسلسل الأنمي الياباني سالي
• ومسلسل الأنمي الياباني ريمي
وبالبحث عن أصل قصة سالي وريمي وجدت أن:
• مسلسل ريمي مأخوذ عن رواية بلا عائلة للكاتب الفرنسي هيكتور مالو.
• ومسلسل سالي مأخوذ عن رواية الأميرة الصغيرة للكاتبة الإنجليزية فرانسيس برنيت.
الملاحظ على الروايات الثلاث هو الظلم والقهر الذي يقع على الأطفال، مما يولّد تعاطفًا قويًا من القارئ أو المشاهد لتلك القصص.
بل إن بعض الفتيات كنّ يجهشن بالبكاء تأثرًا من الظلم وعدم الرحمة التي تقع على سالي من قبل مديرة المدرسة بعد موت والدها وإفلاسه.
وكذلك ما حدث من مطاردة جان فالجان الذي تبنّى الفتاة الفقيرة كوزيت وفاءً لوعدٍ قطعه لأمها، بينما ظلّ المفتش جافير يطارده بعد خروجه من السجن بسبب سرقته رغيف خبز لإطعام الجياع، في محاولة لإعادته إلى القيد والذل. ورغم كل النكران الذي لاقاه فالجان، ظلّ رمزًا للخير والإيمان بالإنسان.
أما ريمي، فقد أجبر على مغادرة قريته، وخاض رحلة طويلة عبر فرنسا بحثًا عن عائلته الحقيقية، رفقة عازف الشارع الفقير فيتاليس، الذي علّمه معنى العمل والشرف والفن رغم الفقر والعوز.
وفي النهاية، تبقى هذه القصص مؤثرة في النفس، لأنها تضع القارئ والمشاهد أمام حجم الظلم الاجتماعي الهائل الذي يقع على الأطفال الأيتام والفقراء.
ومن خلال القراءة أو المشاهدة، يتضح أن تلك الأحداث وقعت في فترة زمنية ماضية.
وبالبحث عن زمن صدور تلك الروايات الخالدة التي سكنت وجداننا قبل ذاكرتنا، نجد أنها جميعًا ظهرت في القرن التاسع عشر، بعد عصر التنوير:
• البؤساء: منتصف القرن التاسع عشر – عام 1862
• بلا عائلة (ريمي): أواخر القرن التاسع عشر – عام 1878
• الأميرة الصغيرة (سالي): مطلع القرن العشرين – عام 1905
عند النظر في واقع تلك الفترة – عصر ما بعد التنوير، وتحديدًا عصر الثورة الصناعية – نجد أن انتقال الاقتصاد من الزراعة إلى الصناعة ترافق مع تحولات اجتماعية كبيرة.
نشأت طبقات فاحشة الثراء في مقابل طبقات فقيرة معدمة، وحدثت هجرة هائلة من الريف إلى المدن، أدّت إلى نشوء أحياء فقيرة كانت بؤرًا للجرائم والبؤس الإنساني.
كما انتشرت عمالة الأطفال في غياب تام لقوانين الحماية، وافتقد الناس إلى التأمين الصحي والاجتماعي، في زمن كان يمثل بداية النهضة الحديثة لأوروبا.
وجاءت تلك الروايات لتضع المجتمع أمام سلبيات مرحلته، فكانت بمثابة مرآة تكشف قسوته وتفضح الظلم الاجتماعي الذي طال أضعف فئاته.
لقد كان لتلك الروايات أثرا بالغا على وعي المجتمعات الأوروبية، إذ أسهمت في بروز القوانين الأولى لحماية الأطفال والأسر، وفي ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية.
فقد أثبت الأدب أنه ليس ترفًا فكريًا، بل ضميرًا إنسانيًا حيًّا، يوقظ الرحمة في القلوب، ويدعو إلى الإصلاح قبل أن يطالب به المشرّعون والسياسيون.
وهكذا، تبقى تلك الروايات الثلاث – البؤساء، بلا عائلة، والأميرة الصغيرة – شواهد خالدة على أن الأدب العظيم يُكتب بالدمع قبل الحبر، وبالوجدان قبل الكلمات.
إنها تقول لنا إن التقدم الحقيقي لا يُقاس بما تصنعه المصانع، بل بما تصنعه الرحمة في قلوب البشر.

















0 تعليق