نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
البتراء: المدينة الوردية وسحر التراث العتيق - المصدر 7, اليوم السبت 15 نوفمبر 2025 12:05 مساءً
المصدر 7 - تُعد البتراء واحدة من أكثر المواقع الأثرية إثارة للإعجاب في العالم، فهي مدينة وردية منحوتة في الصخر تُحاكي عبقرية الإنسان القديم وتكشف جانباً من حضارة الأنباط التي ازدهرت في جنوب الأردن قبل أكثر من ألفي عام. هذه المدينة المهيبة ليست مجرد موقع تاريخي عابر، بل هي شهادة حيّة على براعة معمارية وثقافية امتزجت مع الطبيعة لتُشكّل لوحة خالدة تجذب ملايين الزوار سنوياً. وبين أروقتها وصخورها الحمراء، يجد المسافر نفسه في رحلة زمنية مدهشة تعيد سرد تاريخ حافل بالتجارة والفنون والروحانية. كما أن إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو زاد من مكانتها، إذ أصبحت رمزاً للأصالة والتاريخ وثروة حضارية للأردن والعالم.
عبقرية الأنباط وتاريخ البتراء
نشأت البتراء في القرن الرابع قبل الميلاد على يد الأنباط الذين اتخذوها عاصمة لمملكتهم بفضل موقعها الاستراتيجي على طرق التجارة التي ربطت الجزيرة العربية بالشام ومصر. تمكن الأنباط من تطوير نظام ريّ متقدم مكّنهم من التعايش مع طبيعة المنطقة الصحراوية الجافة، إذ ابتكروا قنوات وخزانات لجمع المياه والحفاظ عليها خلال مواسم الجفاف. هذا الابتكار جعل المدينة مركزاً مزدهراً للتجارة، خاصة تجارة البخور والتوابل والأحجار الكريمة.
مع مرور السنوات، توسعت البتراء وازدهرت عمرانياً، فشيّد الأنباط معابد ومقابر ضخمة وقصوراً ومنشآت مدنية، كلّها منحوتة بإبداع في الجبال الوردية، ما جعل المدينة تُعرف بـ"المدينة الوردية". رغم أن المدينة تعرّضت لزلازل وتغيّرت طرق التجارة، إلا أن بقاياها ظلت شاهدة على حضارتها المتقدمة حتى أعيد اكتشافها عام 1812 على يد الرحالة السويسري يوهان لودفيغ بوركهارت.
أبرز المعالم في المدينة الوردية
تُعد زيارة البتراء تجربة استثنائية تبدأ بعبور "السيق"، وهو ممر ضيق وطويل تحفّه جدران صخرية شاهقة بارتفاع يصل إلى أكثر من 80 متراً. يمتد السيق لمسافة تزيد عن كيلومتر واحد ويُعد مقدمة مهيبة لما ينتظر الزائر. عند نهاية هذا الممر تظهر روعة "الخزنة"، أشهر معالم البتراء وأجملها على الإطلاق.
الخزنة بناء منحوت بالكامل في الصخر بواجهة مزخرفة تتجاوز 39 متراً ارتفاعاً، ويُعتقد أنها كانت ضريحاً ملكياً أو معبداً. بعد الخزنة، تمتد المدينة لتكشف عن معالم عديدة مثل المسرح النبطي الذي يتسع لآلاف المتفرجين، ومجموعة من القبور الملكية، ومعبد القيصر. كما يُعد "الدير" واحداً من أبرز معالم المدينة، ويقع في منطقة مرتفعة يمكن الوصول إليها عبر مسار مُدرّج، ليكافأ الزائر بمنظر مذهل لبناء ضخم بواجهة هائلة تحيط بها طبيعة جبلية خلابة.
وتُظهر هذه المعالم مستوى عالياً من الفنون المعمارية، إذ تتجلى الرموز والأنماط النبطية المتأثرة بالحضارتين الرومانية واليونانية، ما يكشف عن تفاعل حضاري واسع عاشته المدينة.
زيارة البتراء: تجربة لا تُنسى
توفر البتراء تجربة سياحية غنية تجمع بين المغامرة والثقافة. فعند التجول بين مساراتها الأثرية، يشعر الزائر بقربه من الماضي، بينما تمنحه المناظر الطبيعية حوله إحساساً بالتأمل والدهشة. يمكن للسائح استكشاف أهم المعالم سيراً على الأقدام أو عبر الجمال والخيول المتاحة لخدمة الزوار. كما تُقام عروض "بترا ليلاً" التي تتيح مشاهدة الخزنة تحت ضوء الشموع، ما يضفي على المكان جوّاً ساحراً.
تتميز المنطقة أيضاً بوجود مرافق سياحية جيدة، مثل مراكز الزوار والفنادق والمطاعم، مما يجعل الزيارة مريحة وممتعة. وتُنظم جولات بصحبة مرشدين خبراء لتقديم معلومات دقيقية عن تاريخ المدينة وتراثها. كما يُفضل زيارة بترا في فصلي الربيع والخريف للاستمتاع بطقس معتدل يجعل التجربة أكثر متعة.
في الختام، تبقى البتراء رمزاً خالداً لحضارة الأنباط وإحدى أروع كنوز التراث الإنساني. فهي مدينة تجمع بين التاريخ العريق والطبيعة الآسرة، وتقدم للزائر رحلة فريدة داخل عالم من الإبداع البشري المنحوت في قلب الصخر. إن استكشاف أروقة البتراء وجبالها الوردية هو تجربة تثري الروح والعقل، وتستحق أن تكون في قائمة كل محبّ للتاريخ والتراث الإنساني.






0 تعليق