رؤية استباقية لتجسير الفجوة بين الأكاديميا والمجتمع… فكرٌ يصنع المستقبل - المصدر 7

منوعات 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
رؤية استباقية لتجسير الفجوة بين الأكاديميا والمجتمع… فكرٌ يصنع المستقبل - المصدر 7, اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025 09:00 مساءً

المصدر 7 - جو 24 :

على الرغم مما أحدثته التحولات المعرفية والتكنولوجية، يظل سمو الأمير الحسن بن طلال أحد أبرز المفكرين العرب الذين أدركوا مبكرًا أن الجامعة ليست مبنى لتلقين العلم، بل عقل الأمة وضميرها الحي. فطوال مسيرته الفكرية والإنسانية، دعا سموه إلى إعادة تعريف دور الأكاديميا بحيث تصبح قوةً اقتراحية فاعلة في المجتمع، لا مجرد مؤسسة لتخريج الشهادات. وكما قال في إحدى ندوات منتدى الفكر العربي: "العلم إذا لم يتحوّل إلى خدمةٍ للإنسان، يبقى ناقصًا مهما بلغ من الدقة والمنهجية".

إن زيارة سموه الأخيرة إلى جامعة اليرموك شكّلت نموذجًا تطبيقيًا لهذا الفكر، لكنها في جوهرها كانت رسالة إلى جميع الجامعات الأردنية، لتكون شريكًا مباشرًا في صناعة التنمية الوطنية. فقد أكّد سموه أن المعرفة الحقيقية لا تُقاس بعدد الأوراق المنشورة، بل بقدرتها على إحداث أثرٍ ملموس في حياة الناس، مذكّرًا بأن "المعرفة من دون مسؤولية اجتماعية تفقد معناها الأخلاقي". هذه الفلسفة التي يحملها الأمير الحسن منذ عقود، تمثّل إطارًا وطنيًا جامعًا لإصلاح منظومة التعليم العالي في الأردن والمنطقة.

ما طرحه سموه في زياراته المتكررة للجامعات ليس توصية عابرة، بل مشروع وطني يدعو إلى إعادة وصل ما انقطع بين الأكاديميا والمجتمع. فقد شدّد على أن "الجامعة التي لا تسمع نبض مجتمعها تفقد مبرّر وجودها"، داعيًا إلى تحويل الجامعات إلى منصّات تفكيرٍ حرّ تُسهم في رسم السياسات الوطنية، وتُترجم البحث العلمي إلى حلول عملية في مجالات التراث، والصحة، والطاقة، والمياه، والتنمية المستدامة. وهي رؤية تتكامل مع طبيعة الدور الريادي الذي يجب ان تنهض به الجامعات الوطنية في تعزيز البحث التطبيقي وخدمة المجتمع المحلي.

وفي حديثه عن التراث والهوية، قال سموه إن "مجوهراتنا الحقيقية هي وعينا بأن تاريخنا يجب ألا يُمس، وأن الحفاظ على هذا الإرث هو حفاظ على كرامتنا وذاكرتنا المشتركة". هذه العبارة تلخّص فلسفةً تربط بين المعرفة والانتماء، بين التاريخ والمستقبل، وتضع الجامعة في قلب معركة الوعي الوطني. فالتراث، في فكر الأمير الحسن، ليس مجرد ماضٍ محفوظ، بل مادة حيّة تُلهم الإبداع وتؤسس لمجتمعٍ قادرٍ على الحوار مع ذاته والعالم من حوله.

ولعلّ من أبرز المؤسسات التي تجسّد رؤية سموه في ربط البحث العلمي بالتنمية الوطنية هو المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، الذي أسّسه عام 1987 ليكون العقل المفكّر للدولة في مجالات العلوم والابتكار. فالمجلس اليوم ليس مجرّد هيئةٍ بحثية، بل مظلة استراتيجية تُنسّق الجهود بين الجامعات والمراكز البحثية والقطاعات الإنتاجية. ومن خلاله، أوعز سموه إطلاق منظومةً وطنية لتمويل الأبحاث التطبيقية التي تعالج مشاكل التنمية والصناعة الوطنية، وإنشاء مراكز تميزٍ علمية، وتفعيل دور العلماء الأردنيين في الداخل والخارج لخدمة أولويات التنمية. وكما عبّر سموه في أكثر من مناسبة: "إن تحويل البحث العلمي إلى قرار وطني هو جوهر السيادة العلمية، فلا نهضة بلا معرفة، ولا معرفة بلا مؤسسات حاضنة". فها هو المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا يشكّل اليوم نموذجًا عمليًا لترجمة الفكر إلى سياسة، والعلم إلى تأثيرٍ تنمويٍّ مستدام.

وكانت جامعة اليرموك، في صميم إهتمامات سمو الأمير وموطن توجيهاته، فهي كانت وما زالت منارةً للبحث والتنوير في شمال الأردن، تجسّد الكثير من هذه الرؤية. فهي لم تكتفِ بإعداد الخريجين، بل أسّست مراكز بحثية تُعنى بقضايا المجتمع في مجالات البيئة والتنمية المستدامة والثقافة والإبداع، ودراسات المرأة الأردنية وساهمت في ربط البحث العلمي بالاحتياجات الفعلية للقطاعات الوطنية. ومثلها الجامعة الأردنية، وجامعة العلوم والتكنولوجيا، وآل البيت، ومؤتة، وجامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا و الحسين التقنية، وجامعة الطفيلة التقنية، وبقية الجامعات الوطنية والتي تعمل جميعها على ترسيخ مفهوم الجامعة المنتجة التي تُعيد توجيه البحوث نحو التنمية المحلية، وتُقيم جسور تعاونٍ مع القطاعين العام والخاص.

لقد وضع سمو الأمير الحسن، منذ تأسيسه منتدى الفكر العربي في مطلع الثمانينيات، الأساس الفكري لمشروع وطني مستدام يرى في الأكاديميا قاعدةً للنهضة لا ملحقًا بها. دعا إلى تكامل الجامعات مع مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، وإلى بناء منظومة تفكيرٍ جماعي تتجاوز الحدود التقليدية بين النظرية والتطبيق. وكما قال في أحد لقاءاته الفكرية: "نحتاج إلى حوارٍ دائمٍ بين الجامعة والمجتمع، لأن الإصلاح لا يبدأ من فوق، بل من وعي الناس وإرادتهم في التغيير".

إن ما يطرحه الأمير الحسن اليوم ليس دعوة للمراجعة فحسب، بل رؤية استباقية لما يجب أن تكون عليه الجامعات الأردنية في العقد القادم: جامعات بحثية منفتحة تربط بين التعليم وسوق العمل، وتدفع بالاقتصاد المعرفي نحو المنافسة الإقليمية والعالمية. وهي دعوة لأن يصبح التعليم العالي جزءًا من مشروع وطني متكامل يضع الإنسان في مركز المعادلة، ويجعل من العلم وسيلةً للكرامة والنهضة، لا غايةً شكلية بحد ذاتها. إذ لخّص سموه جوهر هذه الرؤية حين قال: "الجامعة ليست برجًا عاجيًا، بل بيت فكرٍ مفتوح على الناس… لا يُقاس نجاحها بعدد الخريجين، بل بعدد العقول التي أيقظتها". هذه العبارة تصلح أن تكون ميثاقًا وطنيًا جديدًا لمسيرة التعليم العالي في الأردن، تقودها جامعاتٌ مسؤولة، وباحثون ملتزمون، وإرادة ملكية وفكرية واعية ترى في الإنسان أغلى ما نملك، وفي العلم سبيل الكرامة والتنمية.

بهذا المعنى، يصبح فكر سمو الأمير الحسن بن طلال منارةً لتجسير الفجوة بين الأكاديميا والمجتمع، وبوصلةً ترشد مسيرة التعليم والبحث والابتكار نحو مستقبلٍ أكثر إنسانية، واستدامة، وابتكارًا.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : رؤية استباقية لتجسير الفجوة بين الأكاديميا والمجتمع… فكرٌ يصنع المستقبل - المصدر 7, اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025 09:00 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق