المصدر 7 - الجائزة التي ترسّخت عبر عقود بوصفها منصةً تحتفي بالإبداع الحقيقي، لا تمنح تقديرها إلّا لمن رسّخوا حضورهم في السجلّات الأدبية والفكرية وذاكرتهما. انبثاقاً من الأسس الصلبة التي قامت عليها "مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية"، مُنحت جائزة العام 2024 - 2025 رسمياً، مساء الخميس، لأربعة أعلام عربية قدّمت عبر سنوات طويلة من الكتابة والبحث مشاريع فكرية وأدبية شكلت جزءاً أساسياً من المشهد الثقافي.

في تكريم الأسماء الأربعة - الشاعر العراقي حميد سعيد، الروائية العراقية إنعام كجه جي، الناقد المغربي حميد لحمداني، والمؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي - انعكاسٌ لمسارات ناضجة، وتجارب اختبرت اللغة والحياة والهوية، ووسّعت أسئلة النقد والإبداع، وأثبتت أن العمل الأدبي، حين يُكتب بصدق وإتقان، يعبر الزمن من دون أن يشيخ أو أن تشوبه شائبة. وعليه، دخل الأعلام الأربعة سجلّ "جائزة سلطان بن علي العويس الثقافية" في دورتها التاسعة عشرة، ذلك السجل الذي يمثّل أحد أبرز أرصدة الثقافة العربية الحديثة، وهو ما كرّسه رئيس مجلس أمناء المؤسسة الدكتور أنور قرقاش، بقوله إنّ التكريم جاء "تقديراً لعطائهم وجهودهم، واعتزازاً بإسهامهم في صياغة الوعي الجمالي والفكري والثقافي لأمتنا".

وأكّد قرقاش أنّ "الجائزة تُجسّد تقديراً مستحقاً لجهودهم المتميّزة في ميادين الأدب والفكر والعلوم، ودافعاً لمواصلة العطاء والتميّز"، واصفاً المكرَّمين بأنّهم "منارات الفكر والإبداع في عالمنا العربي، يضيفون إلى تراثنا الغني مزيداً من العمق والتجدد، ويغذّون مسيرة الإبداع العربي بما يفتح آفاقاً جديدة للفكر والمعرفة"، ومرحّباً بالحضور في الإمارات العربية المتحدة، "أرض اللقاء والانفتاح، التي تؤمن بقدرة العرب على النهوض والتطور والنجاح، وترى في الإبداع والثقافة جسراً للتواصل الإنساني وبناء المستقبل".

حميد سعيد بين التراث والحداثة
ولأنّ "الأدب والثقافة والفكر ليسوا ترفاً"، على حدّ تعبير قرقاش، "بل ضرورة إنسانية وحضارية، بهم تُبنى القيم، وتترسّخ الهوية، ويتعمّق الوعي"، منحت لجنة التحكيم، برئاسة الأمين العام للمؤسسة عبد الحميد أحمد، جائزة الشعر للشاعر حميد سعيد تقديراً لتجربة اتّسمت بتماسكها واتساع آفاقها، وبقدرتها على مزج التراث العربي والإنساني بوعي عميق بتحولات القصيدة العربية الحديثة.

تكريم الشاعر حميد سعيد. (مؤسسة العويس)

وأشارت اللجنة إلى خصوصية إيقاعه الشعري باعتباره مكوّناً جمالياً ودلالياً يعمّق المعنى، وإلى تمكنه من قصيدة التفعيلة مع انفتاحه على التجريب داخل فضائها الإيقاعي، وصولاً إلى قصيدة تنبض بحرارة الحياة وتطلعاتها.

إنعام كجه جي وسرديات الهوية والمنفى
وفازت الروائية إنعام كجه جي بجائزة القصة والرواية والمسرحية، لكتابة تجمع بين الوثيقة والتخييل، وتعيد طرح أسئلة الهوية والمنفى والذاكرة بتناول إنساني ورؤية نقدية.

تكريم الروائية إنعام كجه جي. (مؤسسة العويس)

وأكّدت اللجنة أن أعمال كجه جي استعادت شخصيات تعيش على هامش التاريخ، وقدّمتها بعمقها، وتناقضاتها، وتحدياتها، وبصوت لغوي رصين وحوار ثري يكشف التحولات النفسية والاجتماعية والسياسية. وقد رأت اللجنة أن مشروعها السردي أسهم في إنارة مناطق منسية في الذاكرة العربية.

حميد لحمداني ومشروع نقدي ممتدّ
أما جائزة الدراسات الأدبية والنقد، فكانت من نصيب الناقد حميد لحمداني، اعترافاً بمشروع نقدي متراكم يمتد منذ السبعينيات، ويتميز بأصالة منهجية وقدرة على إحداث تثاقف حقيقي بين النقد العربي والغربي.

تكريم الناقد حميد لحمداني. (مؤسسة العويس)

وأبرزت اللجنة اشتغاله على مناهج متعددة - تاريخية ونفسية وسيميائية وسوسيولوجية - وعلى نقد السرد والشعر ونقد النقد، إضافة إلى أثره الواسع عبر كتبه ومشاريعه الجماعية ومساهماته في المختبرات النقدية.

عبد الجليل التميمي وتاريخ يُكتب بمعايير جديدة
وفي حقل الدراسات الإنسانية والمستقبلية، منحت اللجنة الجائزة للمؤرخ عبد الجليل التميمي، أحد أبرز الأسماء العربية في البحث التاريخي المعاصر. واعتبرت اللجنة أن أعماله شكّلت نموذجاً راسخاً للبحث القائم على المناهج الحديثة في كتابة التاريخ، سواء في دراساته عن الموريسكيين في الأندلس، أو الولايات العربية في الحقبة العثمانية، أو تاريخ تونس الحديث.

تكريم المؤرخ عبد الجليل التميمي. (مؤسسة العويس)

كما ثمنت اللجنة حضوره العلمي المستمر منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومساهمته في ترسيخ البحث التاريخي عبر المؤسسة المتخصصة التي أنشأها، والتي أصبحت مرجعاً في التوثيق والدراسات التاريخية.

وكان الحاضرون على موعد مع أمسية طربية أحيتها أوركسترا أكاديمية الفجيرة للفنون الجميلة، بقيادة المدير العام للأكاديمية علي عبيد الحفيتي، امتزجت فيها أصوات كلّ من أليسار السعيد وريتا سلطان وسلطان السامرائي، بباقة أغنيات من أرشيف محمد عبده وماجدة الرومي وصباح فخري وعبدالله الرويشد وأم كلثوم وصباح، وغيرهم، على أنغام العود والكمان والقانون.