نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
متى دور إصلاح الجامعة اللبنانية؟ - المصدر 7, اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025 12:40 صباحاً
المصدر 7 - د. جورج صدقه*
الفضائح التي تناولتها وسائلُ الإعلام في الأسابيع الأخيرة حول الجامعة اللبنانية شكّلت هزّة قوّية للجامعة الوطنية وأساءت إلى صورتها وطرحت شكوكاً حولها.
قد تحصل فضائح في جامعات خاصة أخطر من تلك الحاصلة في الجامعة اللبنانية كما حصل في بيع عشرات الشهادات في أكثر من جامعة خاصة، لكنها لا تأخذ البعد نفسه. فالجامعة الوطنية باتت تملك رصيداً محلياً وعالمياً كبيراً وضعها في مصاف الجامعات الكبرى لا يحقّ لأحد النيل منه أو التفريط به. فهي جامعة لكل طلاب لبنان، وهي الجامعة الوحيدة التي تتيح للشباب اللبناني، من كل طبقاته الاجتماعية، نيل شهادات علمية من مستوى عال تخوّله الترقّي الاجتماعي والمهني. لذلك كان من الضروري أن يقوم رئيس الجامعة بدعوة القضاء والأجهزة الأمنية لوضع يدها على هذه المخالفات الحاصلة حفاظاً على سمعة الجامعة وشفافية ادارتها.
غير أن الحفاظ على الجامعة الوطنية وتحاشي تكرار الأخطاء التي حصلت يتطلب، أبعد من التحقيق القضائي، معرفة الأسباب البنيوية التي تتيح وقوع مثل هذه الأخطاء. إن المعالجة تبدأ بوضع الإصبع على بنية الجامعة القانونية والإدارية التي تعود إلى أكثر من نصف قرن حين كانت الجامعة لا تزال مؤسسة صغيرة تسهل إدارتها بشكل مركزي، وليس كما هي اليوم بحيث باتت تضمّ أكثر من خمسين فرعاً وشعبة موزّعة على كامل الوطن، وبعدما تضاعف أعداد طلابها مرات عدة، فيما هي لا تزال تُدار بالطريقة نفسها ما يصعّب المواكبة الإدارية والأكاديمية.
كما أن الحرب تركت بصماتها على الجامعة سواء لناحية التفريع الجغرافي الذي لم يواكبه تطوير إداري، كما لناحية وضع اليد السياسية عليها لناحية تعيينات القيّمين عليها. فكيف يمكن لمسؤول عيّنته السلطة السياسية أن يرفض طلبات هذه السلطة؟ وينطبق الأمر على عمليات التوظيف والتعاقد فيها. كما تنشط المكاتب التربوية الحزبية في إدارة الجامعة وفروعها مستقوية بالدعم السياسي ذاته. وقد أدّى هذا الأمر إلى خلق جزر حزبية وطائفية في بعض الفروع انعكست على الأساتذة والطلاب. وقد عجزت إدارة الجامعة في بعض الفروع عن إزالة اللافتات الحزبية وصور السياسيين.
وزاد في سوء الأمور غياب مجلس جامعة وهو مكلّف قانوناً بإدارة الجامعة إلى جانب رئيسها. غير أن هذا المجلس غائب منذ سنوات غالباً بسبب عدم قيام الحكومة بتعيين عمداء أصيلين للكليات، ما جعل رئيس الجامعة بات يتفرّد بقراراتها وبمختلف التعيينات فيها. فكيف للرئيس أن يُدرك طاقات آلاف الأساتذة الذين تضمّهم الجامعة وأن يختار الأكفأ أكاديمياً أو الأصلح بينهم لتولّي المهام الإدارية والأكاديمية! وهنا يُسجَّل غياب كبير للحكومة عن مواكبة قضايا الجامعة من مختلف النواحي، وليس فقط الحكومة الحالية. وقد سمح رئيسُ جامعة سابق لنفسه أن يحلّ مجلس الجامعة للتفرّد بالقرارات وسط صمت تام من الحكومة ومن وزير الوصاية على الجامعة.
وانعكس وضع اليد السياسي على بعض معاهد الدكتوراه في الجامعة حيث يشعر طلاب وأساتذة بأن الكثير من القرارات إنما تمليها توجّهات فردية للعميد غير مبررة أكاديمياً. وقد يكون ما يحصل في معاهد دكتوراه هو الأخطر على الجامعة لأن هذه المعاهد إنما تخرّج أساتذة المستقبل. فكيف يمكن مثلاً قبول طالب لإعداد دكتوراه في علوم الإعلام والاتصال وهو لا يتقن لغة أجنبية، مع العلم أن كل المراجع العلمية في هذا الاختصاص هي باللغات الأجنبية، وإن عدم إتقان هذه اللغات تعني أن الطالب لن يكون قادراً على مواكبة التطورات المتسارعة في هذا الميدان ولا القيام بأبحاث قيّمة ولا نقل المعرفة المطلوبة منه إلى طلابه لاحقاً. وما يحصل أن هؤلاء الخريجين غالباً ما يدخلون أساتذة إلى الجامعة، ونعرف سلفاً انعكاسات ذلك. يترافق هذا الأمر مع تراجع نسبة الأساتذة خريجي الجامعات الأجنبية المرموقة التي كانت تعجّ بهم الجامعة بينما ازدادت أعداد خريجي الجامعات المحلية وبعضها من مستويات متدنية. إن تجربة الدكتوراه في الجامعة اللبنانية تحتاج إلى عملية تقييم علمية لضمان مردودها الإيجابي إذ إن مستوى الجامعة ومستقبلها مرتبط بذلك.
الملف الآخر الذي تتخبّط فيه الجامعة منذ سنوات طويلة هو موضوع الأبحاث العلمية. ففي المبدأ هناك مئات الأبحاث التي يرفعها الأساتذة سنوياً للترفّع على أساسها، أو تلك التي يموّلها مكتب الأبحاث في الجامعة. غير أن هذه الأبحاث غالباً لا توضع في التداول العام كما في الجامعات الأخرى، كما أن آلية تقييمها تبقى موضوع لغط بالنظر إلى كيفية تشكيل لجان التقييم. إن ارتباط تشكيل هذه اللجان بشخص واحد، كما لجان مناقشة الدكتوراه، تفتح المجال للتشكيك فيها وهي تستوجب آليات أخرى أكثر شفافية. فأهمية الأبحاث في داخل الجامعات أنها تفرز النخب العلمية وتسهّل التمييز بين أفراد الهيئة التعليمية لاختيار الكفاءات منهم بعيداً عن الانتماء السياسي والطائفي، وبالتالي تفرز المستحقين لتسلّم مسؤوليات إدارية وأكاديمية.
لقد قدّمت الجامعة اللبنانية خدمات كبرى للوطن وأبنائه، وفتحت المجال لمختلف الطبقات لاسيما غير الميسورة منها بالتعلم، وخلقت كوادر وطنية في كل الميادين الإنسانية والاجتماعية والعلمية، وأتاحت المجال للشباب بالحصول على شهادات قيّمة فتحت لهم أبواب العمل في دول الخليج وفي دول العالم مع كل المردود الاقتصادي على لبنان والعائلات فيه. وهي تستمرّ بهذا الدور، تميّزها عصامية طلابها وتفاني غالبية أساتذتها وإداراتها.
غير أن المحافظة على الجامعة يستوجب تطويرها، فلا يجوز أن تبقى قوانينها قديمة، ولا يجوز أن تبقى التعيينات فيها خاضعة للسياسة والطائفية، كما لا يمكنها أن تستمرّ وتتطوّر بهذه المركزية الخانقة. تستأهل الجامعة ورشة تطوير كي تتمكّن من المحافظة على دورها ورسالتها.
*عميد كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية سابقاً
-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

















0 تعليق