ممداني مرّة أخرى: الطيب والشرير والقبيح! - المصدر 7

منوعات 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ممداني مرّة أخرى: الطيب والشرير والقبيح! - المصدر 7, اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 07:14 مساءً

المصدر 7 - جو 24 :

 

لستُ معنيّاً بالحديث عن "زهران ممداني" وفوزه بمنصب عمدة نيويورك إلا بمقدار الافتتان الذي يبديه العرب والمسلمون بهذا الفوز، وبمقدار ما أنّ النموذج الذي يمثّله "ممداني" هو نمط سيتكرر كثيراً في الأيام القادمة من أجل إعادة تلميع صورة الغرب عموماً، والولايات المتحدة الأمريكيّة على وجه الخصوص، وتبرئتهما من جرائم الإبادة والتهجير الممنهجة التي اقترفها الكيان الصهيونيّ (وما زال) بالإنابة.

من أسمج الأوصاف التي يطلقها المفتونون بـ "ممداني" و"الديمقراطيّة الأمريكيّة" التي أفرزته وصف "اشتراكي"!

اشتراكي وسط نيويورك مدينة "وول ستريت" وعاصمة النظام الرأسمالي العالميّ مرّة وحدة؟!

طبعاً هؤلاء المطبّلين والمزمّرين لفوز "ممداني" لا يميّزون بين "اليسار" (بحسناته وسيئاته)، و"اليسار الليبراليّ" الجديد الذي هو من أخطر وأقذر التجلّيات السياسيّة لما بعد الحداثة والتفكيك والسيولة في زمن العولمة، بل هو بظاهره المعسول وباطنه المسموم أشد خطورة على "الوعي" من المحافظين الجدد وعموم اليمين المتطرّف الجديد بخطابه وسلوكه الفجّ المباشر المكشوف!

اليسار الليبرالي هو يسار الـ NGOs، والثورات البرتقاليّة، والشركات (ذات المسؤوليّة الاجتماعيّة طبعاً)، والبيروقراط والتكنوقراط (الذين حلّوا محل الانتلجنسيا والمثقّفين العضويّين)، وتطبيع الشذوذ بكافة أشكاله: فكريّ وثقافيّ وسياسيّ وجنسيّ.. الخ، كلّ ذلك باسم المقولات والوعود البرّاقة (ما غيرها) لما يُسمّى "مشروع الحداثة" مثل الحرية والعدالة والمساواة، والمغلّفة جميعها بورقة سولفان لامعة اسمها "حقوق الإنسان" (وفق المنظور الغربيّ الماديّ لما هو حقوق، والتي لا تسري بكلّ الأحوال على الحيوانات البشريّة)!

مريدو الغرب و"الحداثة الغربيّة" حدّ الاعتناق، وعشّاق "الحلم الأمريكيّ" حدّ العبادة، وجدوا في فوز "ممداني" فرصة لرفع عقيرتهم بعد أن صمتوا حدّ الخرس على مدار عامين، وإعادة التبشير بحداثتهم وحلمهم المزعومين، وعقد مقارنات على طريقة نحن وهم، وعندنا وعندهم، والتغافل عن الحقيقة السافرة التي أماط "طوفان الأقصى" اللثام عنها بطريقة لا تقبل التمويه والتنميق: العنصريّة والقتل والدمار والإبادة والتهجير (الترانسفير حسب الدكتور عبد الوهاب المسيري) جميعها مقولات أساسيّة في جوهر الفكر الغربيّ والعقليّة الغربيّة ومجمل مشروع الحداثة، وليست مجرد نمط فرعي شاذ على هامش هذا المشروع، أو خروج عليه، أو سوء في التطبيق!

نعم، لقد أحدث "طوفان الأقصى" وبطولة أهالي غزّة ومقاومتهم الباسلة هزّة في الوعي على مستوى مجتمعات العالم كلّها ومن ضمنها المجتمع الأمريكيّ، ولكن بدلاً من أن تثوّر هذه الهزّة الوعي، ويكتشف أبناء هذه المجتمعات أنّ الشيطان في المنظومة نفسها، وليس في هذا الشخص أو ذاك، أو هذه الفئة أو تلك.. ما حدث من خلال انتخابات عمدة نيويورك أنّه قد تمّ الالتفاف على هزّة الوعي هذه، واحتوائها، وتجييرها من أجل ترميم وتدعيم وإدامة المنظومة، وإعادة ثقة الناس بالكذبة القديمة الجديدة: أنّهم أحرار، وأنّ صوتهم بفرق، وأنّ صندوق الاقتراع هو الحل، وأنّهم قادرون على تغيير المنظومة من داخل المنظومة!

كأضعف الإيمان، لو أنّ أصوات ناخبي نيويورك قد انهالت على مرشح مستقل ما خارج ثنائيّة ديمقراطيّ - جمهوريّ وتقاسم الأدوار القذر بينهما، لقلنا فيها وما فيها.. ولكن أن تُجيّر مشاعر التعاطف مع فلسطين، والسخط من الوضع الداخليّ والسياسة الداخليّة، لصالح مرشح من الحزب الديمقراطيّ المُجرم، فهذه قمّة "المسخرة"، المسخرة التي تكتمل بإطلاق وصف مثل "إشتراكي" على "ممداني"!

اشتراكيّة أمثال "ممداني" المزعومة، ومجمل هذه اليساريّة الليبراليّة الصاعدة، تعود في جذورها إلى منتصف القرن الماضي، وتحديداً إلى أولئك الذين أُطلق عليهم في حينه وصف الماركسيّين السمثّيين الجدد (نسبة إلى آدم سميث)، والذين نقلوا الصراع من علاقات الإنتاج وملكيّة وسائل الإنتاج، إلى السوق وعلاقات السوق، ولهذا أُطلق عليهم وصف سمثيّين.

الزعم الأساسيّ لهؤلاء أنّ السوق ووعود السوق ونمط الحياة "العصري" الذي تتيحه السوق، ويشترك فيه الفقير والغني، والعامل والمالك، قد ساوت بين البشر، وأذابت الفوارق ومظاهر عدم المساواة التي يتحدّث عنها الماركسيّون "التقليديّون" جرّاء علاقات الإنتاج وملكيّة وسائل الإنتاج.

بكلمات أخرى، طالما أنّ الكلّ يستطيعون اقتناء خلويّ وأكل الهمبرغر، فإنّ الصراع الطبقي ينتفي، ومشروع الحداثة يتحقّق!

الاتحاد السوفييتي انهار لأنّ المواطن التقدميّ صاحب الوعي الطبقيّ والمشروع الأمميّ يريد أن يلبس الجينز ويدخّن المالبورو!

وثورات الربيع العربيّ وقودها الأساسيّ كان إحساس الناس بالظلم لا بسبب الهيمنة، أو التبعيّة، أو اختطاف الدولة من قبل الأقليّة (المرتبطة بالخارج بالضرورة) على حساب الأكثريّة.. بل الظلم لأنّهم لا يحصلون على حصتهم العادلة من وعود السوق ورفاهيات نمط الحياة.

تبّاً لإشتراكيّة الدولة، تباً للتعليم والصحة والإسكان المجانيّة، تبّاً للاكتفاء الذاتيّ.. نريد مولات والقدرة على ارتيادها، وماركات عالميّة والقدرة على اقتنائها، مهما كان الثمن، حتى لو كان "صفقة قرن" أو "سلام اقتصاديّ" أو "عهود إبراهيميّة" أو "شرق أوسط جديد" أو "ريفيرا" متوسطيّة جديدة على أشلاء أهالي غزّة!

افتتان الناس بـ "ممداني" وفوزه ذكّرني بفيلم "الطيب والشرير والقبيح" للمخرج الإيطالي "سيرجي ليوني".

من المقولات التي ضمّنها "ليوني" في فيلمة الأيقونة، وكما يتضح من اسم الفيلم، أنّ الأبطال الثلاثة للفيلم هم في نهاية المطاف مجرمون وخارجون عن القانون ولصوص وقطّاع طرق، والفرق الوحيد بينهم هو في الـ "ستايل"!

"بلوندي"، بالعربيّة "أبو شقرة" أو "شقّور"، والذي لعب دوره الممثل "كلينت ايستوود"، يمثّل أمريكا، الاستعمار الانجلو-سكسوني بنسخته الحديثة، والذي يتمتع الجاذبيّة والكاريزما و"شرف اللصوصيّة".. ولكنّه يبقى استعماراً وإجراماً!

"ممداني" على سماره وأصوله الجنوبيّة هو في الانتخابات الأخيرة بمثابة "بلوندي" ضمن منظومة هي في مجملها منظومة إجراميّة دمويّة ماديّة غير إنسانيّة "العيب فيها بذاتها وليس في الأشخاص، ولا يمكن علاجها من خلال لعبة الكراسي الموسيقيّة السمجة وتغيير الوجوه!

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : ممداني مرّة أخرى: الطيب والشرير والقبيح! - المصدر 7, اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 07:14 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق