سينما الذاكرة والغياب: من "دوماً" إلى "الحياة بعد سهام" - المصدر 7

سينما الذاكرة والغياب: من "دوماً" إلى "الحياة بعد سهام" - المصدر 7
سينما الذاكرة والغياب: من "دوماً" إلى "الحياة بعد سهام" - المصدر 7

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سينما الذاكرة والغياب: من "دوماً" إلى "الحياة بعد سهام" - المصدر 7, اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 07:40 صباحاً

المصدر 7 - لا يجمع بين فيلم صيني عن طفولة ريفية تتوارى أمام قسوة الواقع، وفيلمٍ مصري عن ابن يبحث في ذاكرة أمّه الراحلة، سوى انهما ينتميان إلى السينما الوثائقية. غير أن التوغّل في تفاصيل العملين يكشف خيطاً خفياً يشدّهما إلى بعضهما البعض: الرغبة في الإمساك بما يتسرّب من الزمن، واستعادة ما يوشك على الاندثار. في ”دوماً“، الفائز بجائزة ”نجمة الجونة“ الذهب لأفضل فيلم وثائقي طويل، يرصد دمنيغ تشن الطفولة وسط تحوّلات الطبيعة، بينما يسعى نمير عبد المسيح في ”الحياة بعد سهام“ (”نجمة الجونة“ لأفضل وثائقي عربي)، إلى لملمة شتات العائلة والذاكرة عبر نص بصري يستقصي الأثر الإنساني للأم الراحلة. الفيلمان يقفان على تخوم الفقد، بين ما مضى وما يزال حاضراً في الوجدان.

"دوماً": آثار الغياب الثقيل
فرنسوا تروفو كان يزعم أن كلّ شيء يأتي من الطفولة. للطفولة أبواب عدة، والمخرج الصيني دمنيغ تشن يلقي عليها أكثر النظرات شاعريةً وعطفاً. ففي قرى مقاطعة هونان الصينية، حيث الطبيعة لا تزال تتحكّم بإيقاع الحياة راسمةً مصائر أفرادها، يقدّم لنا في فيلمه الوثائقي هذا، مقاربة ميلانكولية للطفولة، وهي تنسحب ببطء أمام زحف قاس للواقع.
غونغ يوبين هو طفل نشأ في الريف، في بيت يجمع ثلاثة أجيال: الجد والجدّة، الأب المصاب بإعاقة دائمة بعد فقدان ذراعه، وغونغ نفسه. غابت الأم عن المشهد مذ كان رضيعاً، تاركةً وراءها فراغاً لا يعوّضه شيء. الشعر هو ما تبقى لهذا الطفل كوسيلة فهم وتعبير. في مدرسته القروية، يتعلّم كتابة القصائد كنافذة صغيرة تطلّ على أعماقه. يكتب عن تلك المشاعر المبهمة التي لا يعرف كيف يسمّيها.
يموضع المخرج الكاميرا في عمق الطبيعة كي تتسنّى لها مراقبة الحياة القروية بصبر وهدوء: الضباب يكسو الجبال، الحشرات تتحرك بهدوء في التربة، الضوء الخافت ينساب على وجوه الشخوص. الانتقال البصري من الألوان إلى الأسود والأبيض، ثم العودة إلى ألوان باهتة يعكس بشكل خفي مرور الزمن، وانزياح البراءة، فاختفاء الطفولة. ورغم أن الفيلم يوثّق سنوات محدّدة من حياة غونغ (من التاسعة إلى الثالثة عشرة)، فلا يسعى وراء التحولات الدرامية. نشهد عرضا هادئاً لحياة تمضي، فيما يتعزز في الخلفية شعور دائم بأن شيئاً ما ينتهي. هناك كرامة ودفء حقيقيان في النحو الذي يظهر به الجميع على الشاشة. شخصيات تشتكي، لكنها لا تنسى أن تضحك. باختصار، تواصل العيش. وحتى مع غياب الأم، لا يسعى الفيلم إلى البحث عن إجابات. لعلها رحلت لأنها لم تحتمل قسوة الحياة، أو لسبب آخر. لا يبحث عنها، لكنه يرينا آثار غيابها الثقيل. 

 

”الحياة بعد سهام“ الذي نال ”نجمة الجونة“ لأفضل وثائقي عربي.

 

"الحياة بعد سهام": مصالحة مع الإرث
بعد تجربته الوثائقية السابقة، "العذراء والأقباط وأنا"، يتّجه المصري نمير عبد المسيح نحو منطقة أكثر حميمية. "الحياة بعد سهام" محاولة لاستعادة سهام، أم المخرجة، بعد رحيلها، في إطار يجمع الذاتي بالعائلي، الماضي بالحاضر. يمتد خطّ السرد في الفيلم بين مصر وفرنسا، بين حياة الأم والأب، وذاكرة الابن الذي يسعى لإعادة ترتيب صور العائلة وهو في الأربعينات، علماً انه عمل على الفيلم لسنوات طويلة، فهذا النوع من الأفلام لا يولد بين ليلة وضحاها، إنما يأتي نتيجة تراكم زمني. يحاول عبد المسيح الإيفاء بوعد قديم أعطاه لأمّه قبل وفاتها. على مدار الفيلم، نتابع كيف تتحوّل السردية العائلية التقليدية مادة للتفكيك والمساءلة. تتباين الروايات بين الوالدين، وتتداخل الطبقات الزمنية والمكانية في نسيج بصري ينطوي على الأرشيف السينمائي واللقطات اليومية ومقاطع "هوم فيديو" عائلية تمد الفيلم بالصدق والعفوية. 
ما يميّز الفيلم أيضاً هو هذه العلاقة غير المباشرة مع السينما المصرية، كحضور ضمني وصوت خلفي في الذاكرة البصرية والوجدانية للمخرج. هذا البُعد يساهم في تمكين التجربة ويمنحها عمقاً إضافياً، تتجاوز السيرة الذاتية نحو التأمل في أثر السينما كجزء من تكوين الذات. يترك الفيلم أثراً واضحاً حول ما يعنيه أن يعيش المرء بين ثقافتين، لغتين، حياة في فرنسا وجذور ممتدّة في مصر، ملمّحاً إلى تجربة الكثيرين من العرب والأفارقة الذين صاروا جزءاً من المجتمع الأوروبي، بينما بقي الوطن الأصلي حكاية تنتقل من الآباء إلى الأبناء.
رغم بعض التردّد في نبش أعمق لهذه الأسئلة الكبرى، يبقى الفيلم نزيهاً في اطروحته، معبّراً عن رغبة حقيقية في المصالحة مع الإرث الشخصي. لحظة البوح المؤجّلة التي يأتينا بها المخرج، تبلغ نهايتها كأنفاس أخيرة تطلق بداية إدراك جديد، حيث الخاتمة ليست سوى عتبة وعي آخر.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق أسعار الذهب تسجل أعلى مستوى في 3 أسابيع - المصدر 7
التالى أدرعي: تدمير مبانٍ في قرية حولا - جنوب لبنان ليل أمس - المصدر 7