نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
العراق على صفيح الانتخابات: بين الأمل والنفوذ - المصدر 7, اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025 04:50 صباحاً
المصدر 7 - في الصباح الذي امتلأت فيه صناديق العراق بأوراق الاقتراع، بدا المشهد كأنه محاولة أخرى لكتابة تاريخ لا يريد أن يُكتب. أكثر من عشرين مليون ناخب توزّعوا على ثماني عشرة محافظة، لاختيار 329 نائباً سيمثّلون 46 مليون عراقي في مجلس لا يهدأ. كان المشهد حافلاً بالوجوه ذاتها تقريباً، بالأحزاب التي تعرف الطريق إلى السلطة كما تعرفه إلى الخلاف، وبآمالٍ تُشبه الصبر أكثر مما تُشبه الثقة.
في تلك اللحظة التي ظنّ فيها المستقلون أنهم قادرون على كسر الحلقة، عاد قانون "سانت ليغو المعدل" ليعيدهم إلى حجم ضيق في المشهد؛ خمسة وسبعون اسماً تقريباً يقفون أمام جدران الكتل الكبرى، فيما تستعيد الأحزاب القديمة امتيازها في تقسيم الخرائط. وحدهنّ النساء حافظن على مساحة مشرّعة في النصّ الدستوري، 25 في المئة من المقاعد، إلى جانب تسعة مقاعد للأقليات، كأن العراق يصرّ أن يظلّ لوحة متعددة الألوان مهما اشتدّ عليه الرماد.
لكن وراء صناديق الاقتراع تمتدّ حلبة أخرى لا تُقاس بالأرقام بل بالنفوذ. فالعراق لا ينتخب بقدر ما يعاد تركيبه بين ثلاثة بيوت تتقاسم العائلة الوطنية: البيت الشيعي، والبيت السني، والبيت الكردي.
البيت الشيعي، الذي كان ذات يوم موحّداً تحت عباءة الصدر، أصبح الآن ساحة صراع بين رجلين يختلفان في النهج أكثر مما يختلفان في الاتجاه. محمد شياع السوداني يحاول أن يُمسك العصا من منتصفها؛ يميل نحو إيران في البنية السياسية التي جاءت به، لكنه يسير في الحكم بعقل دولة لا بفكر فصيل. يعرف أنّ طهران شريك جغرافي لا يمكن الفكاك منه، وأن واشنطن، مهما تغيّر وجهها، تبقى بوابة الدعم المالي والأمني التي لا غنى عنها. يحاول جاهداً أن يكون براغماتياً وحكومته أقرب إلى التكنوقراط.
أمّا نوري المالكي، فيبدو كظل قديم لا يريد أن يغادر الجدار؛ مرتبط عضوياً بالمحور الإيراني، ثابت في موقعه كأحد أركان الإطار التنسيقي. يراه الأميركيون وجهاً للعراق ما قبل الإصلاح، وتراه طهران ضمانة لعدم انزلاق بغداد خارج المدار.
على الضفة السنيّة، لا صوت واحد بل صوتان متنازعان على الميكروفون: محمد الحلبوسي، الذي يرى في واشنطن والرياض طريقاً للعودة إلى التوازن العربي، وخميس الخنجر، الذي يقرأ الخريطة بعين تركيةٍ مصلحية. بينهما فقد المكوّن السني وحدته، وترك للإطار الشيعي حقّ رسم الإيقاع الحكومي. ومع ذلك، يظلّ السنّة يميلون قلباً إلى واشنطن والعرب، ويعيشون جسداً في نظام تمسك به طهران.
أما الأكراد، فقصتهم قصة أخرى من فنّ البقاء في منطقة الوسط. في أربيل، حيث يقف مسعود بارزاني، تميل الكفة نحو أنقرة وواشنطن؛ وفي السليمانية، حيث إرث جلال طالباني، تبقى طهران الحاضر الصامت. هكذا يتقاسم الإقليم الهواء بين ثلاثة محاور متشابكة، كمن يعيش بوجه في الشرق، وآخر في الغرب، من دون أن يفقد ابتسامته في المرآة.
النتائج النهائية لم تُعلن بعد، ومن المرجح أن تتأخر. لكن النتيجة الأعمق معروفة: لا غالب في العراق إلا ميزان القوى الخارجية. واشنطن تراهن على براغماتية السوداني، وطهران تراهن على صبرها الطويل، وتركيا والخليج يراقبان من وراء الحدود بعيونٍ تعرف أنّ كل زلزال في بغداد يترك تردداته في المنطقة.
وفي آخر المشهد، يقف العراق، بين مطرقة واشنطن وسندان طهران، بين رغبة الإصلاح وواقع النفوذ، بين الحلم الوطني والحساب الإقليمي، وبين تحالف يرفع شعار السيادة ونفوذ يهمس في أذن القرار.
فهل يولد من رحم الصناديق عراقٌ جديد، أم تُعيد الأيدي ذاتها كتابة الحكاية بالحبر ذاته؟ هل يصحو الرافدان على فجر وطنيٍّ خالص، أم يظلّ نهرُه يفيض بقرارات تملى عليه من وراء الحدود؟




