الجرح الذي ينزف من الداخل: "جيش" بلا ضمير في مواجهة ظله الأخلاقي #عاجل - المصدر 7

منوعات 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الجرح الذي ينزف من الداخل: "جيش" بلا ضمير في مواجهة ظله الأخلاقي #عاجل - المصدر 7, اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 09:33 مساءً

المصدر 7 - جو 24 :

كتب زياد فرحان المجالي - 

في كل حرب، هناك خسائر لا تُقاس بعدد القتلى ولا بحجم الدمار، بل بما يتركه القتال في روح من خاضوه. هذه المرة، لم يأتِ الجرح إلى إسرائيل من خارج الحدود، بل من داخل جيشها ذاته. فقد بدأت الصحافة العبرية تتحدث عن ظاهرة جديدة يسمونها "الإصابة الأخلاقية”، وهي نوعٌ من الانكسار النفسي الذي يصيب الجنود بعد المشاركة في القتال في غزة.

ليست المسألة اضطرابًا نفسيًا عابرًا أو كآبة ما بعد الصدمة؛ بل هي شيء أعمق، يتصل بسؤال الوجود ذاته: ماذا يحدث لجنديٍّ حين يكتشف أنه قتل إنسانًا لا يعرفه، فقط لأن الأوامر قالت ذلك؟

الظاهرة انتشرت بين المقاتلين العائدين من غزة والضفة، ووصفتها القيادة العسكرية بأنها "جرحٌ روحي” لا يعالجه الطب ولا يرممه الصمت. إنها لحظة الإدراك المتأخر، حين يُدرك الجندي أنه عبر من خطّ الأخلاق إلى الضفة الأخرى، وأنه لن يعود كما كان.

أطباء نفسيون في الجيش وصفوا المشهد بعبارة لافتة: "جنودنا يبدون أقوياء في الميدان… لكنهم ينهارون أمام المرايا”.

في علم الاجتماع العسكري، تُعتبر "الإصابة الأخلاقية” دليلًا على أزمة هوية في المؤسسة المسلحة. فالجيش الذي بُني على فكرة التفوق الأخلاقي – "طهارة السلاح” كما يسميها الإسرائيليون – يجد نفسه اليوم أمام أجيالٍ لم تعد تصدّق تلك الشعارات.

الجنود العائدون من غزة لا يحملون فقط تعب المعارك، بل يحملون أسئلةً عن جدوى ما فعلوه، وعن المعنى المفقود خلف كل طلقة. أحد الضباط قال في تحقيق صحفي: "لم أعد أفهم لماذا أُقاتل. لم نعد ندافع عن الوطن… بل عن رواية رسمتها لنا القيادة.”

هذه الجملة وحدها تختصر الأزمة: فقد تلاشت الحدود بين الجندي والآلة، بين الحرب والدعاية. فحين تتحول المعركة إلى "مشهد تلفزيوني” لا إلى "قضية وجود”، يصبح الجندي ممثلًا يؤدي دورًا مكتوبًا له مسبقًا. وعندما ينتهي العرض، يبقى وحده في الكواليس يواجه صمته.

المجتمع الإسرائيلي يعيش اليوم ما يشبه "انفصال الضمير”. فالإعلام الذي كان يروّج للحرب باعتبارها ضرورة أمنية، بدأ يتحدث عن الجنود الذين يصرخون في الليل لأنهم لا يستطيعون النوم. الأطباء العسكريون يقرّون بأن مئات الحالات سُجلت في الأشهر الأخيرة، معظمها بين جنود النخبة. واللافت أن هؤلاء ليسوا ضحايا العدو، بل ضحايا أوامرهم.

في المقابل، تحاول المؤسسة العسكرية احتواء الظاهرة بخطابٍ إداريٍّ بارد، يصفها بأنها "اضطراب مؤقت” يحتاج فقط إلى علاجٍ نفسي وروتيني. لكن ما يحدث أبعد من ذلك بكثير. فـ"الإصابة الأخلاقية” ليست مرضًا في الفرد، بل انكسارًا في النظام القيمي الذي يبرر الحرب باسم البقاء.

حين يفقد الجندي قدرته على تبرير القتل، فإن الجيش كله يبدأ في الانهيار من الداخل، لأن شرعية القوة تتآكل حين لا يقتنع حاملوها بأنهم على حق.

الأخطر من الظاهرة نفسها هو الطريقة التي يتعامل بها المجتمع معها. فبدلًا من أن تُطرح الأسئلة حول شرعية الحرب على غزة، يجري اختزال كل شيء في "إعادة تأهيل الجنود”. أي إن الدولة تحاول معالجة الضمير لا بتنظيفه، بل بتخديره. وهنا تكمن المفارقة الكبرى: بدل أن تسأل "لماذا نفعل هذا؟” تسأل "كيف نواصل فعله دون أن نتألم؟”.

الجنود الذين تحدّثوا للإعلام استخدموا كلمات لم تعرفها اللغة العسكرية الإسرائيلية من قبل: "الذنب، الخجل، الضياع”. كلماتٌ تحيل إلى حقيقةٍ مخفية طالما أنكرتها تل أبيب: أن الاحتلال ليس مهمة عسكرية، بل حالة روحية من التدهور المستمر.

إنهم لا يعودون من الحرب منتصرين ولا منهزمين، بل مفقودين بين صورتين: صورة "البطل” التي تصنعها المؤسسة، وصورة "القاتل” التي ترافقهم في أحلامهم.

في إحدى المقابلات، قال جنديٌ من وحدة النخبة: "حين رأيت طفلة تخرج من تحت الأنقاض، لم أستطع أن أطلق النار بعدها… كأن شيئًا انكسر بداخلي.”

هذه ليست رواية عاطفية، بل وثيقة سياسية عن فشل مشروع القوة الإسرائيلية الذي أراد أن يصنع جيشًا بلا ضعف. فكل من يُحاول إنكار الإنسانية في عدوه، سيجدها في النهاية تنهض من داخله لتؤلمه.

المفارقة أن الجيش الإسرائيلي، الذي يتباهى بأنه الأكثر تدريبًا في المنطقة، يجد نفسه اليوم في مواجهة نوعٍ جديد من المعارك: معركة ضد نفسه. فالعدو الحقيقي لم يعد في غزة أو لبنان، بل في داخل الوعي الجمعي للمقاتل الإسرائيلي الذي لم يعد يفهم معنى "الانتصار”.

لقد قيل ذات مرة إن الجيوش تُهزم حين تفقد سبب قتالها، لكن إسرائيل تقدّم نموذجًا أعمق: إنها تُهزم حين تفقد قدرتها على الكذب على نفسها.

"الإصابة الأخلاقية” بهذا المعنى ليست عارضًا نفسيًا، بل شهادة وفاةٍ معنوية لأسطورة "الجيش الأخلاقي”. إنها الجدار الأخير الذي سقط بصمت، بعد أن هدمت الصواريخ جدرانًا كثيرة في الخارج.

ومهما حاولت القيادة أن تُحوّل الألم إلى رقمٍ في تقارير الطب العسكري، فلن تستطيع أن تمحو الحقيقة: أن الدم لا يجفّ على الذاكرة، وأن الحرب التي تقتل طفلة لا يمكن أن تترك قاتلها بريئًا.

إن إسرائيل التي طالما قدّمت نفسها كدولة "قانون وأخلاق” تعيش اليوم مفارقة تاريخية. فكلما زادت قوتها العسكرية، زادت هشاشتها النفسية. وكلما ارتفعت أسوارها الأمنية، انكشفت جدرانها الداخلية.

ربما لهذا السبب يخاف الجنود من العودة إلى منازلهم أكثر من خوفهم من الموت في الميدان. لأن البيت لم يعد ملجأ، بل مرآة، والمرآة لا تكذب.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : الجرح الذي ينزف من الداخل: "جيش" بلا ضمير في مواجهة ظله الأخلاقي #عاجل - المصدر 7, اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 09:33 مساءً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق