مالك عبيدات _ قال الخبير الاقتصادي محمد البشير إن خطاب الموازنة العامة حمل في طياته جرعة كبيرة من التفاؤل، مستندًا إلى بعض المؤشرات والاجتهادات الحكومية ومحاولاتها لتحقيق ما ورد في خطة التحديث الاقتصادي، رغم ما يعانيه الاقتصاد الوطني من تحديات ومؤشرات سلبية.

وأضاف البشير لـ"الأردن 24" أن بعض القطاعات، خصوصًا الزراعة والصناعة، أظهرت تحسنًا في الفترة الماضية، إلا أن الحديث عن نسبة نمو تبلغ 2.9% يبقى طموحًا أكثر منه واقعيًا، ما لم تترافق الموازنة مع إصلاحات حقيقية في السياسة المالية.

وأوضح أن معالجة العبء الضريبي المرتفع باتت أولوية لا يمكن تجاهلها، مشيرًا إلى أن الضرائب الحالية ترفع كلفة الإنتاج السلعي والخدمي، ما ينعكس سلبًا على مؤشر الاستهلاك، وهو المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي وتشغيل العمالة وزيادة الصادرات.

وأكد أن عجز الموازنة الكبير لا يمكن حله دون ضبط النفقات الجارية التي تلتهم معظم الإنفاق العام، وخاصة الرواتب وخدمة الدين العام، لافتًا إلى أن الحكومة تسعى لرفع الإيرادات المحلية بنسبة تقارب 9% مقابل زيادة النفقات بنسبة 6%، وهو هدف وصفه بأنه صعب التحقيق دون نمو فعلي يفوق 2%.

وانتقد البشير استمرار الحكومات المتعاقبة في زيادة الإيرادات غير الضريبية من خلال رفع رسوم الخدمات الحكومية، معتبرًا أن المواطن أصبح يتحمل أعباء مالية غير محتملة تحت مسميات مختلفة. وقال إن هذه الرسوم تمثل ضرائب غير مباشرة تضغط على المواطنين والقطاع الخاص على حد سواء.

وشدد على أن الإصلاح الضريبي الحقيقي هو المدخل الأساس لأي معالجة اقتصادية، بحيث تعاد هيكلة النظام الضريبي ليضمن عدالة توزيع العبء بين أصحاب الدخول المرتفعة والمستهلكين، مضيفًا: "من دون إصلاح ضريبي جاد لن تحقق الحكومة هدفها بخفض المديونية إلى 80% من الناتج المحلي بحلول عام 2028".

وأشار البشير إلى أن خطاب الموازنة لم يأتِ بجديد في جانب النفقات الرأسمالية، إذ اعتادت الحكومات على رفعها في بداية العام ثم تخفيضها لاحقًا عبر موازنات تعديلية نتيجة ضغط النفقات الجارية، مما يفقدها مضمونها التنموي الحقيقي.

كما دعا إلى دراسة جدوى المشاريع الاستراتيجية الكبرى مثل مشروع النقل الوطني، والسكة الحديدية، ومشاريع الطاقة، لضمان تحقيق عائد استثماري مجدٍ يجذب المستثمرين ويخفف من الاقتراض الخارجي.

وختم البشير بالقول إن الحكومة مطالبة بخطوات إصلاحية حقيقية وشجاعة تتجاوز الخطاب التفاؤلي، وتواجه جذور الأزمة المتمثلة في تشوهات النظام الضريبي وارتفاع النفقات الجارية، حتى لا تبقى الأهداف المعلنة مجرد وعود على الورق.