نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ماهية سيكولوجية الشعر حوار بيني وبين الشعر - المصدر 7, اليوم الثلاثاء 11 نوفمبر 2025 10:41 صباحاً
المصدر 7 - العربي الحميدي - المغرب
وحيداً هذه الليلة، لا صوتَ سوى أنفاسي تتردّد في الغرفة، تشبه همساً بعيداً. فجأةً، شعرتُ أن هناك من يقترب. لم يكن طيفاً، بل حضور خفيّ يتسرّب من داخلي. حين فتحتُ عينيّ، كان الشعر جالساً قبالتي، ينظر إليّ بعينين إحداهما من نورٍ والأخرى ليل.
قلتُ له:
يا شعر، كم حيّرتَني وأنا في هذا العمر! ما أنت؟ نزوةُ وجدانٍ أم شكوى أحلام؟ أأنت دمُ جرحٍ أم نورُ حلم؟
فابتسم وقال برموز الهمس:
أنا لستُ ما تكتب، بل ما يكتبك. أنا لستُ في الحروف، بل في ما يتخلّلها من صمتٍ وارتجاف. أنا نفسك حين تُعلن تمرّدَها على صمتك.
قلتُ:
لكنني حين أكتب، أشعر أنني أستعيد نفسي من التيه، كأنني أشفى بالكلمات. أهذا أنت أم هو وهْمي الجميل؟
قال:
أنا وجعُك المتحوّل إلى إيقاع. أنت لا تُشفى بي، بل تتعايش مع جرحك عبر كلماتي. كل بيتٍ تكتبه هو جرعةُ ألمٍ بنكهة الزرنيخ.
قلتُ:
إذن، أنت شكلٌ من أشكال العلاج الرُّوحي أو الوهمي؟
قال:
لا...!
بل أنا الجرحُ الذي تعلّم كيف يُغنّي. أنا الإضطرابُ الذي لبسَ قميصَ الجمال. لا أُداويك، لكني أُبقيك قادراً على الحياة داخل ساقية النزيف.
قلتُ:
كيف تولد إذن؟ من أين تأتي؟
قال:
من هناك... من وراء الوعي، من تلك المسافة بين الحلم والذاكرة، بين ما فُقد وما لم يُوجد بعد. أنا نداءُ اللاوعي حين يختنق بالصمت. أنت تظن أنك تمسك الكلمة بشفتيك، لكني أنا من يوجّه يدك نحو الزرّ أو الورق.
قلتُ:
وهل لذلك أنت مليءٌ بالتناقض؟ كلّ قصيدةٍ تخرج مني كأنها اعترافٌ موجِعٌ مفرِح.
قال:
لأنني ابنُك، ودمُك هو حبرُ ولادتي. لا يُولد الشعر من الراحة، بل من ارتعاشة النفس وهي تواجه حقيقتَها العارية.
قلتُ:
أفهم الآن... أنت لستَ مجردَ فنّ، بل حالةُ وجود، توازنٌ بين اليقين واللايقين، بين الاضطراب والنظام، بين الحياة والفناء.
قال:
نعم، أنا ميزانُ النفس في لحظة احتراقها. حين تكتبني، تتصالح مع فوضاك مؤقتاً، ثم تعود إلى نفسك أخفَّ قليلاً.
قلتُ:
ولماذا أعود إليك دائماً؟ ما الذي يجعلني أسيرَك الأبدي؟
قال:
لأنك فيَّ تجد نفسك التي لا تجدها في أي مكانٍ آخر. لأنني أوطأُ أرضٍ تمشي عليها روحُك بلا خوف. لأنني الصرخةُ التي لبستْ ثوبَ المعنى، والموتُ المؤجَّلُ بتشكيل الكلمة.
قلتُ:
يا شعر... من أنت في النهاية؟
قال وهو يختفي بين
المعنى واللامعنى
أنا أنت... حين تصير صادقاً إلى حدّ الوجع.













0 تعليق