نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
التحوّل الرقمي في لبنان: ضرورة إصلاحية نحو التعافي الاقتصادي - المصدر 7, اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 04:01 مساءً
المصدر 7 - د.أيمن عمر*
في وقت يتسابق فيه العالم نحو ترسيخ الاقتصاد الرقمي كقاطرة للنمو الاقتصادي، يجد لبنان نفسه أمام لحظة حاسمة تتطلب الانتقال من التفكير النظري إلى التنفيذ الفعلي. فبحسب البنك الدولي، يساهم الاقتصاد الرقمي بأكثر من 15% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مع توقّعات بارتفاع النسبة إلى حدود 24% بحلول عام 2025. وفي بلد يعاني من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، لم يعد التحوّل الرقمي خياراً تطويرياً أو ترفاً إعلامياً، بل ضرورة إصلاحية عاجلة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن.
ركائز التحوّل الرقمي:
1- الحكومة الرقمية وتطوير الخدمات
ويتم ذلك من خلال:
• مكننة الخدمات الحكومية: تحويل المعاملات الورقية إلى إلكترونية لتقليص التعامل الشخصي والحدّ من الفساد (مثل مكننة المحاكم، المديرية العامة للأحوال الشخصية، وخدمات الوزارات).
• تشكيل الهوية الرقمية الموحدة وبناء المواطن الرقمي: مما يساهم في الحوكمة والشفافية وتسريع المعاملات ومكافحة الفساد.
• إعادة هندسة الإجراءات: عبر تصميم المعاملات الحكومية وتبسيطها جذرياً لجعلها أسرع وأكثر كفاءة .
• الحوكمة الرقمية: عبر وضع خطط تنفيذية واضحة ومتابعة الإستراتيجية الرقمية على مستوى الإدارات، لضمان التنسيق والتكامل.
2- البنية التحتية والتشريعات
يشكّل هذا الجانب الأساس التكنولوجي والقانوني للتحوّل:
• تطوير البنية التحتية الرقمية: الاستثمار الجاد في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لضمان شبكات سريعة وموثوقة.
• الأمن السيبراني: تعزيز الأمن السيبراني لحماية بيانات الدولة والمواطنين من خلال استراتيجيات وطنية وتدريب الكوادر.
• تحديث القوانين والتشريعات: وضع تشريعات حديثة تنظم التحوّل الرقمي، وتحمي خصوصية البيانات، وتدعم تبني التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والبلوكتشين.
3- بناء القدرات وتنمية الاقتصاد الرقمي
لضمان استدامة التحول، يجب التركيز على العنصر البشري والاقتصاد:
• تنمية المهارات الرقمية: إطلاق برامج رفع المهارات الرقمي لتدريب القوى العاملة وسد الفجوات مع متطلبات سوق العمل.
• تشجيع الابتكار والريادة: دعم الشركات الناشئة وقطاع التكنولوجيا لتنمية "اقتصاد المعرفة" في لبنان، بما في ذلك جذب الاستثمارات إلى القطاع الرقمي.
• الشراكة بين القطاعين العام والخاص: إشراك القطاع الخاص ليكون المحرك الأساسي في تطوير التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، خصوصاً أن لبنان يمتلك رأسمال بشرياً كبيراً في هذا المجال.
التحدّيات الرئيسية
تواجه عملية التحوّل الرقمي في لبنان تحديات كبيرة تعوق تنفيذه، أبرزها:
1. غياب الإرادة السياسية الفاعلة: حيث أن نجاح الخطة يحتاج إلى وحدة في القرار السياسي ومبادرات متكاملة ورؤية موحدة.
2. التحديات الاقتصادية والمالية: الحاجة إلى تأمين تمويل لمشاريع هذا التحوّل.
3. الفجوة التشريعية: تأخّر القوانين عن التطورات التقنية وعدم وجود إطار تنظيمي متكامل للتحول الرقمي.
4. مقاومة التغيير: وجود مقاومة لتغيير ثقافة العمل الإداري القديمة إلى نموذج رقمي.
التداعيات السلبية والتحديات الهيكلية
• تغيرات سوق العمل والبطالة الهيكلية: قد تؤدي الأتمتة إلى إحلال الآلات محل الوظائف الروتينية. ورغم خلق فرص عمل جديدة، تتطلب هذه الوظائف مهارات مختلفة، ما ينتج منه بطالة هيكلية إذا لم تتم إعادة تدريب القوى العاملة.
• الفجوة الرقمية: تتسع الفجوة بين الأفراد والشركات التي لديها القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا واستخدامها وبين تلك التي تفتقر إليها، وهذا التفاوت يزيد من عدم المساواة الاقتصادية.
• التحدّيات الضريبية والتنظيمية: تواجه الحكومات صعوبة في فرض الضرائب على الأنشطة والشركات الرقمية العالمية، مما يؤدي إلى تآكل القواعد الضريبية المحلية.
• احتكار السوق: تميل المنصّات الرقمية الكبيرة إلى تحقيق تأثيرات شبكية قوية، مما يمنحها قوة سوقية احتكارية ويقلل المنافسة، الأمر الذي يتطلب تدخّلاً تنظيمياً لضمان سوق عادلة ومفتوحة.
إن التحول الرقمي في لبنان هو أكثر من مجرد تحديث تقني؛ إنه فرصة لإصلاح الدولة، واستعادة ثقة المواطنين، وتمهيد الطريق نحو التعافي الاقتصادي عبر خلق اقتصاد أكثر كفاءة وشفافية. لكن هذه الفرصة لن تُلتقط، ما لم تُتخذ قرارات جريئة، وتُرسم خطة تنفيذية ثابتة، لا تتأثّر بتقلّبات المشهد السياسي.
*أكاديمي وباحث اقتصادي












0 تعليق