نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الخوارزميات تحت المجهر: كيف يُعاد رسم قواعد حرية التعبير في عصر الذكاء الاصطناعي؟ - المصدر 7, اليوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 08:39 صباحاً
المصدر 7 - *د. إسلام محمد سرور
في عالمٍ تتحكم فيه الخوارزميات بمدى وصول الأفكار وصوت الأفراد، لم تعد حرية التعبير مسألة تتعلق بالإنسان وحده، بل أصبحت مرتبطة بقدرة الآلة على الفهم والتصنيف والتوجيه. حيث غيّر الذكاء الاصطناعي، ولا سيّما التوليدي منه، المشهد الإعلامي والاتصالي إلى حدٍّ غير مسبوق، إذ انتقلت المجتمعات من مرحلة تبادل المعلومات إلى مرحلة إنتاج الحقيقة - أو ما يراد أن يُشكل به الوعي العام - وذلك من خلال الأدوات الرقمية.
أولاً: ثنائية الإنسان والآلة
فالمنصات الرقمية لم تعد مجرّد ساحات للنشر، بل تحوّلت إلى نظم حاكمة للمعرفة تُقرّر أي الأصوات تُسمع وأيّها تُهمَّش، ومع دخول الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى المعادلة، لم تعد القضية في "كيف يُدار المحتوى"، بل في "من يصنعه"؟
فالنصوص والصور والأصوات التي تُنتَج خوارزميّاً قد تبدو حيّة وصادقة، لكنها تحمل قدرة هائلة على إعادة تشكيل الوعي الجماعي، سواء عبر تضليلٍ متعمّد أو تحيّزٍ غير مقصود في تصميم النماذج نفسها.
ثانياً: تهديدات جديدة للحقيقة والمجتمع
إنّ أخطر ما في الذكاء الاصطناعي التوليدي ليس قدرته التقنية، بل سهولة إساءة استخدامه. وتبرز صور الإساءة عندما نتحدث عن تزييف مقاطع الفيديو، واستنساخ الأصوات، وصناعة شخصيات أو حوادث وهمية، باتت أموراً يسيرة يمكنها أن تزعزع الثقة في الإعلام، وتشوّه سمعة الأفراد، وتضعف المؤسسات الديموقراطية.
وتأتي خطورة تلك التقنيات والظواهر المستحدثة في كونها لا تمسّ الحقيقة فحسب، بل تمسّ الحق في التعبير الحرّ والآمن، خصوصاً للصحافيين والنشطاء الذين يجدون أنفسهم عرضة لتقنيات تشويه رقمية ذات أثر نفسي ومجتمعي بالغ، بحيث يصور الحق على أنه باطل والباطل على أنه حق!
ثالثاً: الفجوة الرقمية واتساع الهوة
نشير هنا الى أنه بينما تتسابق الدول الكبرى لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة، تواجه الدول الأقل حظاً من الموارد فجوة تتسع يوماً بعد يوم في الوصول إلى البيانات والقدرات الحوسبية، وهذه الهوة لا تقتصر على التكنولوجيا فحسب، بل تمتد إلى التمثيل الثقافي واللغوي، إذ لا تزال لغات وشعوب عديدة مهمَّشة رقمياً، وهو ما يعني أن الذكاء الاصطناعي - في صورته الحالية – من خلال تدريبه على ايديولوجيات وتوجهات محددة يعكس عالماً غير متكافئ في تمثيل الحقيقة والهوية المجتمعية.
صورة تعبيرية مولّدة بالذكاء الاصطناعي
رابعاً: نحو حوكمة متوازنة للمنصات الرقمية والذكاء الإصطناعي التوليدي
الاستجابة لهذه التحديات تتطلّب حوكمة متوازنة تعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والتقنية على أسس من الشفافية والمساءلة والمشاركة، بحيث يجب أن تكون حقوق الإنسان وحرية التعبير حجر الزاوية في أي إطار تنظيمي، مع تشجيع المجتمعات العلمية والجهات التنظيمية والشركات التقنية على التعاون في صوغ ضوابط واضحة.
كما ينبغي تمكين المستخدمين من فهم آليات الذكاء الاصطناعي التي تتعامل مع بياناتهم، وتزويدهم أدوات فعّالة للإبلاغ والتصحيح ومساءلة الأنظمة التي تُنتج المحتوى أو توزّعه.
وتستند هذه الرؤية إلى ما أوردته UNESCO (اليونسكو) في إرشاداتها الصادرة في تموز/يوليو 2025 بشأن حوكمة المنصات الرقمية والذكاء الاصطناعي التوليدي، بحيث أظهرت نتائج الدراسات المرافقة أن نحو 78 في المئة من خبراء الذكاء الاصطناعي في 68 دولة أعربوا عن قلقهم من الأثر السلبي لهذه التقنيات على نزاهة المعلومات والديموقراطية بشكل عام.
كما بينت أن الصحافيات يتعرضن بدرجة أعلى لاستهداف بصري وصوتي زائف، مما يخلق تأثيراً صامتاً على حرية الصحافة ويقوّض المشاركة في المجال العام.
ومن خلال تلك الاحصائيات تبرز الحاجة إلى حوكمة شاملة قائمة على التوازن بين حرية التعبير والمسؤولية التقنية، وعلى سد فجوة الذكاء الاصطناعي بين الأيديولوجيات والتوجهات الرقمية.
نحو حرية مسؤولة في عصر الخوارزميات
وختاماً، فإنّ مستقبل الذكاء الاصطناعي ليس قدراً محتوماً، بل مسار يمكن للمجتمع الإنساني أن يوجّهه بقرارات عادلة ومستندة إلى المعرفة، كما أن إعادة رسم قواعد حرية التعبير في هذا العصر لا تعني الحدّ من الابتكار، بل تعني توجيهه نحو تعزيز القيم الإنسانية وصون الكرامة الفردية. فكلما ازدادت الشفافية، وتعمّق الوعي الجمعي بدور الخوارزميات وتأثيرها، اقتربنا من تحقيق معادلة دقيقة تجمع بين حرية التعبير المسؤولة والتطور التكنولوجي الآمن.
علاوة على تبني سياسة شمولية تضمن عدم اقصاء أي فئة من فئات المجتمع أو تهميش غيرها، نتيجة التحيز الرقمي المُتعمد من اجل طمس الحقيقة وتوسيع هوة الظلم المجتمعي بما يحد من تحقيق رسالة الإعلام الهادف، ويمنع من حماية الحقوق الإنسانية على المستوي الدولي.
*المستشار القانوني والاجتماعي والخبير في القانون الدولي، والباحث في تقنيات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.














0 تعليق