نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
اختطاف العقول رقمياً - المصدر 7, اليوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 04:23 صباحاً
المصدر 7 - أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة أخطر أدوات التأثير في العقول البشرية؛ فقد تجاوزت كونها وسيلة للتعبير، وتحولت إلى فضاء يوجه الفكر، ويعيد تشكيل الإدراك الجمعي، في ظل هذا الانفجار المعلوماتي الضخم، فلم يعد الخطر في ما يقال بل في الكيفية التي تبنى بها القناعات، وتدار بها العقول. المستخدم العادي يتعرض يومياً لفيض من الرسائل المتناقضة، دينية وسياسية وصحية وثقافية واقتصادية، غالبها بلا أساس علمي، مما أدى إلى شيء ما يمكن تسميته الاختطاف المعرفي.
وتتصدر هذه المنصات الرقمية مجموعات من متوسطي المعرفة، صممت مواقعهم لجذب الانتباه، وجلب الأموال، وليس لتنوير العقول، فكلما كان المحتوى صادماً أو مثيراً أو شهياً، زادت احتمالات انتشاره، ما يعني أن الكذب المثير ينتصر على الحقيقة الهادئة، وهكذا أصبح العالم يعيش في دائرة مغلقة من الإثارة والتخويف أو الإغراء. وتنشئ هذه المنصات ما يعرف بفقاعات الصناديق المغلقة، حيث يرى المستخدم فقط ما يعزز قناعاته، فيغرى تدريجاً بمحتواها، وينعزل عن الرأي الآخر المخالف.
أما ما يمكن تسميته الاقتصاد الانتباهي، فقد حول المستخدم إلى سلعة تباع بياناته للمعلنين، وكل ثانية يقضيها أمام الشاشات، هي أرباح مالية لشركات التكنولوجيا وللمروجين، من أجل إطالة زمن المشاهدة، وتدفع هذه الشركات بالمحتوى الأكثر جدلاً والأبعد عن العقل والمنطق.
وتستخدم في هذا الأمر وجوه لنساء ورجال بابتسامة عريضة وقوامٍ مغرٍ، وتقدم معلومات أو سلعاً صحية أو اقتصادية أو سياسية أو ثقافية مغلوطة من أجل الترويج!
يقابل ذلك أنه ليس من طبيعة البشر البحث الدائم عن الحقيقة، أو عن المعنى، أو عن المضار، فعندما يعجز الإنسان عن تفسير الواقع، يبحث عن رواية سهلة تريحه نفسياً، حتى لو كانت غير منطقية. وتضاف إلى ذلك عوامل عدة هي التحيز التأكيدي، الضعف المعرفي وغياب الوعي، ويصدق الناس ما يوافق أفكارهم المسبقة، ويرفضون ما يخالفها.
المروجون، الذين اكتشفوا أنهم قادرون على تضليل الناس، يعتمدون على معلومات مغلوطة، مستغلين إما الاضطراب العاطفي لدى الآخرين، وإما الأزمات والضغوط الحياتية، أو البحث عن شفاء عاجل. في هذه المناطق الرمادية من الحاجات الإنسانية، يزداد استعداد الأفراد لتصديق الشائعات، كنوع من الهروب النفسي. يضاف إلى ذلك أن ضعف الثقافة العلمية، وغياب الوعي بأساليب التحقق، يجعل الفرد عرضة لأي معلومات تقدم بأسلوب مقنع أو حتى شبه مقنع.
نجد في فضائنا اليوم سلطة جديدة اسمها سلطة المؤثرين. وكثير من المستخدمين والمتلقين يخلطون بين الشهرة، والصدقية، والتأثير، فيتبعون ما يقال لهم، بل يروجون له من دون وعي.
شهد العالم في السنوات الأخيرة موجات ضخمة من التضليل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، امتدت من السياسة إلى الصحة إلى الاقتصاد، وقد تسببت هذه المعلومات بوفيات وإفلاسات، وشيوع أمراض جسدية أو نفسية. بل أصبح التطبب بالأعشاب ظاهرة منتشرة، وحتى مقبولة من كثيرين، وهي لا تعدو أن تكون معلومات مغلوطة، وترويج لبضاعة قد تكون بائرة.
في المجال السياسي، ساهمت حملات التضليل المنظمة في التأثير على اتجاهات التصويت والانتخابات في دول كبرى، كما انتشرت جيوش إلكترونية تبث أخباراً مزيفة، لتشويه الخصوم، أو إثارة الانقسامات المجتمعية، كما يحدث الآن خلال الحرب الروسية - الأوكرانية، حيث استخدمت مقاطع مفبركة بصور قديمة لإقناع الجمهور بوجهة نظر متناقضة.
في العالم العربي نحن نعاني من هذه المنصات، فقد أصبحت أكثر من الهم على القلب، وساحة لتداول فتاوى متناقضة، وآراء اقتصادية متضاربة، ونصائح صحية خاطئة، من دون مصدر موثوق، وقد أدى ذلك إلى حالة من الارتباك العام لدى الجمهور، بين ما هو علمي وما هو دعائي أو إخباري أو تجاري.
الذكاء الاصطناعي زاد من عمق هذا المنخفض المعلوماتي، فاعتقد البعض أن الذكاء الاصطناعي يستطيع أن يقدم لك كل الإجابات ولكنه في الحقيقة لا يستطيع أن يفعل ذلك، لأنك يمكن أن تحصل على إجابات متنوعة عندما تسأل أسئلة مختلفة في الموضوع نفسه، وتخلق عند المتلقي، حالة من الإشباع الكاذب، وتقتل الفضول للبحث من المصادر الحقيقية والمكتوبة، مما يفتح مجالاً لانهيار الثقة بالمؤسسات العلمية والإعلامية، ويفتح المجال أمام ما يمكن أن تسمى فوضى المعرفة.
انتشار تلك الممارسات لا يضر بالأفراد والمجتمعات فحسب، ولكنه يضر أيضاً بالأمن الوطني، وتراجع القيم الأخلاقية، وصدقية الأشخاص، بسبب التكرار المفرط الذي تعتمده تلك المنصات، والمحتوى المثير والمبتذل، مما يؤدي إلى تقسيم المجتمعات إلى جماعات رقمية متناحرة، تفقد القدرة على الحوار العقلاني.
المخرج هو العمل على ثقافة عامة ممانعة للتفاهة، ونظام تعليمي يشجع على التفكير النقدي، يكون أكثر مقاومة للمعلومات الكاذبة. أما المجتمعات التي يغيب عنها هذا المسار، فتصبح بيئة مثالية للتضليل، وتؤدي الأزمات الاقتصادية والسياسية إلى مضاعفة هشاشة الجمهور أمام الأخبار الكاذبة، لأن الناس باحثون عن الأمل حتى وهم غارقون في الوهم.












0 تعليق