في وداع الأكاديمي الطّيب رياض عوض - المصدر 7

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
في وداع الأكاديمي الطّيب رياض عوض - المصدر 7, اليوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2025 04:05 صباحاً

المصدر 7 - تعرفت إلى رياض في تسعينيات القرن الماضي حين انتخب مندوباً لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية عن معهد الفنون الفرع الثالث إلى جانب زميليه فضل زيادة ورياض عويضة.

 

وفي اللقاء الأول الذي جمع مندوبي الفروع الشمالية، أدركنا أننا أمام خلطة شمالية رائعة، تجمع بين الطيبة العكارية والسوابق اليسارية والالتزام بالقضايا الأكاديمية. وسنكتشف لاحقاً، خصوصاً بعد تقاعده، أن أستاذ فلسفة الجمال في المعهد/الكلية هو شاعر وأديب وإنسان يقارب القضايا الفكرية بالعقل والإحساس معاً.

 

كانت الجامعة اللبنانية تمر بمرحلة إعادة تأسيس وتكوين في معظم مرافقها الأكاديمية والإدارية والعمرانية والنقابية بعد انتهاء الحرب الأهلية، بشقها الحامي على الأقل.

 

وكانت الحرب قد شطرت العاصمة اللبنانية بيروت وشطرت معها الجامعة اللبنانية التي عانت وتشظت وتمذهبت فروعها تحت مطرقة قوى الأمر الواقع التي نقلت جزءاً من عقلية الميليشيا إلى الصفوف والمدرجات والباحات.

 

كانت الدولة بالكاد بدأت تستجمع قواها بعد اتفاق الطائف عندما وقعت تحت وصاية النظام السوري السابق الذي تعامل مع مؤسسات الدولة، بما فيها مؤسسة الجامعة اللبنانية، بأسلوب الهيمنة والتسلط ورعاية الفساد، كما عمل على التلاعب بالقوى السياسية والهيئات والفعاليات والنقابات ليسهل عليه إدارة سيطرته الاحتلالية على البلد.

 

كان على أساتذة الجامعة اللبنانية أن يواجهوا كل الآفات التي اخترقت الجامعة، بما فيها آفة الفساد الأكاديمي، بادئين بإعادة تجديد رابطتهم، وبالتعاون مع النقابات والروابط حيث أسسوا سوياً هيئة التنسيق النقابية التي واجهت بشجاعة هيمنة الأجهزة السورية وتسلط أتباعها.

 

انتخب المثقف الديموقراطي الطيب رياض عوض مندوباً في الوقت المناسب. فبرغم التدخل السياسي في التوظيف والتجهيز، وبرغم اختراقات الأجهزة السورية لبعض الكليات والإدارات، بما فيها الإدارة المركزية، إلا أن الهوى الديموقراطي ظل يلفح عموم الأساتذة الشماليين الذين نجحوا في تعزيز الهيئة التنفيذية للرابطة برياض عوض برغم رغبة بعض الزملاء بحجز "التمثيل المسيحي" بالفروع الثانية لتسهيل المواجهات النقابية والأكاديمية، وهو ما انطبق على باقي الفروع بطريقة أو بأخرى، إذ إن عدوى المحاصصة الطائفية أصابت جسم الأساتذة ورابطتهم، ولاحقاً تمددت إلى الفروع الشمالية "التي بقيت عصية على الاحتواء لفترة" مع تصاعد المظلومية السنية، خصوصاً بعد استشهاد الرئيس الحريري.

 

نجحت رابطة الأساتذة في تحسين الرواتب بعد انهيارها المفجع وفي إنشاء صندوق التعاضد وفي عودة بعض المجالس الأكاديمية وفي إطلاق ورش تحديث الأنظمة الإدارية، وفي مواكبة استكمال مدينة الحدث الجامعية من قبل الرئيس الحريري، ما ساهم في إيقاف هجرة الأساتذة وعودة الروح للجامعة، قبل أن تعود الأمور إلى التدهور مع الانهيار السياسي والاقتصادي والمالي والنقدي.

 

لم نكتف بالمقاربة النقابية المتجانسة مع الراحل رياض عوص داخل الهيئة التنفيذية للرابطة وخارجها، بل تعديناها نحو رسم رؤية مشتركة لمستقبل الفروع الشمالية، والتي تتضمن إنشاء مدينة جامعية. لذا كان رياض عوض ثالثنا حين أطلقنا فكرتها مع الراحل مصباح الصمد في لقاء جمعنا الثلاثة مع الشهيد الحريري الذي التزم معنا من دون تردد قضية المدينة الجامعية في المون ميشال.

 

بعد التقاعد اعتصم رياض عوض ببلدته الجديدة، مطلقاً العنان لقلمه الشعري والثقافي الذي غذته أرض عكار الطيبة، ولم يبطئه كثيراً المرض المتسلل إلى جسم الراحل، إلى أن وافته المنية بعدما ترك لنا تراثاً ثقافياً وإنسانياً، سيشكل من دون شك ذخراً للأجيال، خصوصاً في الجامعة اللبنانية وفي عكار التي سيكون لها دور كبير في دولة لبنان الجديدة والتي تصارع لإعادة الإمساك بوطن الأرز في مرحلة التحولات الكبرى.

 

فوداعاً رياض، حقاً لقد كنت حلقة في سلسلة أواخر الرجال المحترمين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق