مباني تتحرك وتتنفس: استكشاف عالم العمارة الحركية والهندسة غير المعتادة - المصدر 7

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مباني تتحرك وتتنفس: استكشاف عالم العمارة الحركية والهندسة غير المعتادة - المصدر 7, اليوم الاثنين 17 نوفمبر 2025 04:54 مساءً

المصدر 7 - في عالم الهندسة المعمارية، ثمة فئة استثنائية من الأبنية تُعرف باسم العمارة الحركية (Kinetic Architecture) مبانٍ لا تظل صامتة وثابتة، بل تتحرك، تتغير، وتتفاعل مع البيئة المحيطة والمستخدمين. عند الحديث عن «مبنى يمشي» أو هيكل متحرّك، فإننا غالبًا ما نشير إلى أحد هذه الابتكارات المعمارية غير المألوفة، التي تجمع بين الفن والهندسة بروح تجريبية طموحة. في هذا المقال، نستعرض أبرز الأمثلة والاتجاهات في هذه “الهندسة غير المعتادة” لنغوص في سحر التحول المعماري.

ما هي العمارة الحركية؟

العمارة الحركية هي مفهوم معماري يقوم على استخدام الأجزاء المتحركة في المبنى، كواجهات قابلة للتدوير، أو طوابق تدور، أو قشرة بناء يمكن سحبها بحيث تستجيب للتغييرات البيئية أو استخدامات الإنسان وهذا النوع من التصاميم يعود جذوره إلى مفاهيم قديمة مثل الجسور المتحركة، ولكن التطور التقني في الأنظمة الميكانيكية والروبوتية اليوم جعل من الممكن بناء مبانٍ “حية”. 
من جهة أخرى، يمنح هذا النوع من التصاميم المرونة: تمكن المبنى من التكيف مع ضوء الشمس، تغير الموسم، أو متطلبات الاستخدام مثل العروض الفنية أو التجمعات.

مثال شهير: «The Shed» في نيويورك

من أبرز الأمثلة على مبنى متحرك هو The Shed في حوض “هادسون ياردز” بمدينة نيويورك، من تصميم مكتب عمارة Diller Scofidio + Renfro بالتعاون مع Rockwell Group، يتميز The Shed بغطاء خارجي (قشرة) ضخم من إطار فولاذي، مكسو بـ لوحات ETFE (إيثيلين تيترافلوروإيثيلين) شفافة وخفيفة الوزن وهذا الغطاء يمكنه الانزلاق على قضبان عبر عجلات ضخمة بحيث يغطي الساحة المجاورة، ويخلق مساحة مغلقة للعروض الفنية. 

العملية كلها تستغرق حوالي 5 دقائق، وتتم بمحركات تبلغ قوتها الإجمالية نحو 180 حصان، أي ليست قوية جدًا مقارنة بمحركات السيارات وعند سحب الغطاء، تتحول الساحة إلى مساحات عامة مفتوحة، وعند نشره تتحول إلى قاعة مغلقة مسقوفة يمكنها استيعاب أكثر من 1000 شخص، والنظام مصمم بطريقة استراتيجية، حيث يمثل الغطاء المتحرك “عضلات وعظام” البناء دون “دهون”، بمعنى أنه مصمم ليكون وظيفيًا قدر الإمكان وأهمية هذا التصميم تكمن في أنه لا يكتفي بالجانب الجمالي فقط، بل يوفر مرونة عملية وتجديدًا للمساحة حسب الحاجة، ويعكس توجهًا مستقبليًا في تصميم المباني ككيانات متغيرة وليست جامدة.

مثال آخر من النماذج الاستجابة: واجهة قابلة للحركة في النمسا

في مدينة باد غلايشنبرغ، تقع منشأة عرض (Showroom) لشركة Kiefer Technic، وقد طُوّرت واجهتها بمعماريّة متحركة من Ernst Giselbrecht & Partner. 

تتكون الواجهة من 112 لوح ألمنيوم مثقّب يمكن تحريكها إلكترونيًا عبر 56 محركًا مخصصًا، لتتصرف كشاشات كوابح شمسية واللوحات تتحرك لتتيح قدرًا معينًا من الضوء والهواء، ما يساعد على تنظيم الحرارة داخل المبنى دون الاعتماد الكامل على التكييف، والنظام ليس فقط وظيفيًا من الناحية البيئية، بل يعطي المبنى بعدًا بصريًا ديناميكيًّا، حيث تتحول الواجهة إلى “تمثال حي” يتفاعل مع المحيط. وهذه النوعية من الهندسة الحركية تمثل نهجًا مستدامًا: الاستجابة الطبيعية للبيئة دون التضحية بالتصميم الجمالي.

العمارة الحركية السكنية: تحول الغرف بالكامل

ليست المنشآت العمومية فقط هي من تستفيد من الأفكار الحركية؛ فهناك أمثلة سكنية أيضًا، مثل منزل شاريفي‑ها (Sharifi‑ha House) في طهران بإيران ويتألف المنزل من غرف خشبية على منصات دوّارة، يمكنها التدوير بزاوية 90 درجة وهذه الحركة تسمح بتغيير توزيع الغرف: في الصيف تُدار الغرف للخارج لتفتح على تراسات، وفي الشتاء تُدار إلى الداخل لحماية الحرارة. والهيكل مصمم بدقة بحيث يستوعب القوى والدوران ويمنع الاهتزاز غير المرغوب فيه، مع مراعاة الاستقرار والسلامة. والتصميم ليس فقط وظيفيًا، بل يعكس فلسفة الهندسة الحركية: المرونة، التفاعل مع الشمس، وتحويل المساحات حسب الاستخدام.

لماذا تُعد هذه التصاميم “غير معتادة” هندسيًا، وما هي التحديات؟

العمارة الحركية تمثل تحدّيًا كبيرًا للمصمّمين والمهندسين على حد سواء: التعقيد الهيكلي: إضافة مكونات متحرّكة يعني الحاجة إلى محاور، محركات، نظم توجيه، ودعامات مضاعفة. الصيانة: الأجزاء المتحركة تتطلب صيانة دورية أكثر من المباني التقليدية. الأمان: يجب تصميم الغطاء أو الأجزاء المتحركة بطريقة تضمن السلامة أثناء الحركة، ومنع الفشل الهيكلي. تكاليف إضافية: المحركات، أجهزة الاستشعار، السكك أو القضبان – كل ذلك يعني تكلفة أولية وتشغيلية أكبر. التكامل البيئي: على الرغم من أن الحركة يمكن أن تساعد في ترشيد استهلاك الطاقة (مثل تقليل التبريد)، إلا أن تحقيق توازن بين الأداء الديناميكي والكفاءة البيئية ليس بالأمر البسيط.

مع ذلك، الفائدة تكمن في المرونة الكبيرة وإمكانية تقديم تجربة معمارية فريدة للمستخدمين والزوار.

مستقبل “المباني المتحركة”

إن الاتجاه نحو العمارة الحركية يعكس تطورًا أساسيًا في كيفية تصور المباني: ليس كمجسمات جامدة، بل كأنظمة حية تتفاعل مع الزمن والمحيط. مع التقدم في تقنيات الروبوت، الذكاء الاصطناعي، وأنظمة الاستشعار الذكية، قد نرى مستقبلاً مباني يمكنها تغيير شكلها تلقائيًا تبعًا للطقس، الاستخدام، وحتى الأنماط الاجتماعية.

أكثر من ذلك، يمكن أن تسهم هذه التصاميم في الاستدامة، لأنها تسمح بتحكم دقيق في الإضاءة والحرارة، وتقليل اعتماد المباني على التكييف وتكييف المساحات حسب الحاجة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق