نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
في إيران جيل يريد أن يُسمع... لا أن يُرشد! - المصدر 7, اليوم السبت 15 نوفمبر 2025 02:53 مساءً
المصدر 7 - صابر جول محمدي*
تشهد إيران خلال العقود الأخيرة تحولات اجتماعية عميقة تتجلى في البنية الجيلية للمجتمع. فجيل جديد نشأ في ظل العولمة، وثورة الاتصالات، والتغيرات الثقافية والاقتصادية، بات ينظر إلى الحياة الاجتماعية بمنظور مختلف عن الأجيال السابقة. هذا الجيل لا يغيّر فقط أنماط سلوكه، بل يعيد صياغة منظومته الرمزية ومعاييره الخاصة للقوة والهوية. وكما يشير مساعد الرئيس للشؤون الاجتماعية، علي ربيعي، فإن الأجيال الجديدة لم تعد تستجيب لنماذج السلطة التقليدية، وينبغي اعتبار هذا التحول فرصة لإعادة التفكير في مسار التنمية الاجتماعية.
مجموعة من الشباب في طهران.(أرشيف)
كانت السلطة في المجتمعات التقليدية، تستمد مشروعيتها من السن أو المكانة أو الخبرة؛ فالأب والمعلم والحاكم أمثلة على هذا النمط الهرمي. أما اليوم، فقد تجاوز الشباب هذه الأنماط بفضل شبكات التواصل وتدفّق المعلومات وارتفاع الوعي العام، فباتت الشرعية تُستمد من الكفاءة والحوار والشفافية. وهكذا حلت سلطة تفاعلية مكان السلطة القائمة على الطاعة العمياء، وأصبح الشباب يسعون للمشاركة وسماع أصواتهم لا للخضوع.
رأس المال الثقافي وبروز قيم جديدة
يُنتج كل جيل، بحسب بورديو، معناه وسلوكه من خلال رأس ماله الثقافي. الجيل الإيراني الجديد الذي يتمتع بوصول واسع إلى الإعلام الرقمي وأنماط الحياة العالمية، أعاد إنتاج قيم مثل الاستقلال الفردي، والتنوّع، والمساواة بين الجنسين، والعدالة الاجتماعية. هذا الجيل لا يبحث عن الامتثال بل عن المشاركة. ومن ثم، فقدت الخطابات التقليدية والسلطوية في الأسرة والتعليم والسياسة فاعليتها. هذا التحول ليس تهديداً بل مؤشراً على نضج اجتماعي يمكن أن يزيد رأس المال الاجتماعي، شرط أن تتمكن البُنى المؤسسية من التكيّف معه.
أحد أبرز التحديات في المجتمع الإيراني هو الفجوة الإدراكية بين بنية السلطة والجيل الجديد. فبينما تنظر الأجيال القديمة إلى المجتمع بعين أمنية ورقابية، يتطلع الشباب إلى الحوار وحرية التعبير. ونتيجة لهذه الفجوة، تتراجع الثقة الاجتماعية ويحدث تآكل في رأس المال المؤسسي. وحين يشعر الشباب أن أصواتهم لا تُسمع، يبتعدون عن البنية الرسمية ويتجهون نحو أشكال غير رسمية أو احتجاجية للتعبير عن الذات، ما يوسع الهوة الاجتماعية.
من التهديد إلى الفرصة: منظور موجه نحو التنمية
سوسيولوجيا التحولات الجيلية تُظهر أن كل تغيير يمكن أن يكون تهديداً أو فرصة، ويتحدد ذلك بطريقة تعامل السلطة معه. فإذا ووجه بعقلية أمنية تولدت أزمات اجتماعية، أما إذا قوبل بعقلية استيعابية فسيصبح مصدراً للإبداع والتجديد. المرونة التي يتحدث عنها ربيعي تعني تقبّل الاختلاف، والثقة بالمجتمع المدني، وتهيئة بيئات للحوار بين الأجيال. حينها يتحول الجيل الجديد إلى قوة دافعة للتنمية.
وتشير التحليلات إلى أن المؤسسات المدنية يمكن أن تكون الجسر الرابط بين الجيل الجديد والبنية الرسمية. فتعزيز هذه المؤسسات يرمم الثقة ويخلق قنوات للحوار. العائلة والمدرسة والجامعة والجمعيات الثقافية مطالَبة بالابتعاد عن الهياكل الهرمية واعتماد الإدارة التشاركية، لأن السلطة الجديدة تتشكل من الأسفل إلى الأعلى.
التنمية الاجتماعية القائمة على فهم التحولات الجيلية هي مشروع أخلاقي في جوهره. فالمجتمع الذي يفقد القدرة على "الحلم الجماعي" يفقد حيويته. الأمل والثقة والانتماء هي أسس التنمية المستدامة. الشباب اليوم بحاجة إلى أفق واضح ومشاركة حقيقية، والسياسات يجب أن تركز على التمكين لا السيطرة. الجيل الجديد لا علاقة له بالسلطة القديمة، ويسعى إلى أشكال جديدة من الهوية والمواطنة. والسلطة في عالم اليوم تُقاس بالقدرة على الإصغاء والحوار، لا بالأوامر. لذا، فإن فهم هذا الجيل شرط أساسي للتنمية في إيران ومستقبلها الديمقراطي.
*باحث اجتماعي إيراني


















0 تعليق